تصريح وزير العمل الجديد الدكتور مفرج الحقباني في لقاء منظمة العمل الدولية في جنيف الأسبوع الماضي بأن المملكة خلال ثلاث سنوات، وهي عمر برنامج نطاقات، قد نجحت في توظيف 900 ألف مواطن في القطاع الخاص، أي أن عدد العاملين السعوديين في القطاع الخاص قد زاد بأكثر من الضعف خلال هذه السنوات الثلاث، يظهر حجم الورطة التي تجد وزارة العمل نفسها بها الآن بسبب برنامج نطاقات الذي تسبب في تشويه خطير في سوق العمل السعودي، بل وأصبحت نتائجه الكارثية تفرض نفسها امراً واقعاً يصعب التخلص منه، إلى حد أن وزارة العمل وبدلاً من أن تحارب السعودة الوهمية أصبحت تعتبرها إحدى إنجازاتها التي تفاخر بها في المحافل الدولية. فأمام النمو الهائل في عدد تأشيرات العمل الممنوحة لمنشآت القطاع الخاص نتيجة تطبيق برنامج نطاقات كونه سهل عملية الاستقدام بشكل هائل من خلال السعودة الوهمية التي لا تتعدى تسجيل أسماء موطنين في نظام التأمينات الاجتماعية معظمهم من خارج سوق العمل مثل ربات البيوت والطلبة والطالبات، وفي أحيان كثيرة لا تتحمل المنشأة أي تكلفة لقاء ذلك ويتحملها صندوق الموارد البشرية الذي أصبح دوره في الغالب تمويل السعودة الوهمية وبرامج التدريب الشكلية التي تصب في خدمة السعودة الوهمية فقد وجدت وزارة العمل نفسها أمام خيارين مرين. الأول أن تعترف بفشل برنامج نطاقات وتتراجع عنه وتحارب السعودة الوهمية وتسعى لتطبيق برنامج توظيف يضمن توظيفاً حقيقياً للباحثين عن عمل من العمالة المواطنة ويفعل دورها في سوق العمل، والثاني هو أن تقبل بالنتائج الكارثية للبرنامج وتعتبر ما ترتب عليه من سعودة وهمية إنجازا يستحق المفاخرة به وهذا ما يبدو أن الوزارة مستمرة في تبنيه حتى بعد التعديل الإداري فيها. الأخطار الكبيرة المترتبة على هذه السعودة الوهمية والتي من بينها تهميش دور العمالة المواطنة في سوق العمل وزيادة الاعتماد على العمالة الأجنبية مع كل ما يترتب على ذلك من تبعات اقتصادية واجتماعية وأمنية في غاية الخطورة، والتأثير الاجتماعي الخطير لوجود شريحة كبيرة من أبناء الوطن دون عمل حقيقي ويحصلون على مبلغ شهري يلبي حاجاتهم الضرورية جدا ما يحد من رغبتهم في الحصول على عمل حقيقي مع كل ما يحمله ذلك من انعكاسات سلبية على مستقبلهم المعيشي والنفسي ودورهم في المجتمع، والنمو الهائل في عدد السعوديين المسجلين في نظام التأمينات الاجتماعية بالأجر الأدنى أو قريب منه يفقد هذا النظام توازنه المالي ويجعله غير قادر على الوفاء بالالتزاماته المستقبلية، تجعل سياسة دس الرأس في الرمل التي تمارسها وزارة العمل وعدم استعدادها لمواجهة نتائج سياساتها يحمل أبعاداً أكبر من كونها مجرد تقصير في أداء ما أوكل إليها من مهام وطنية جسيمة. استحالة وعدم منطقية أن يتزايد اعتمادنا على العمالة الأجنبية في ظل النمو الهائل في أعداد من هم في سن العمل من المواطنين الذين لا يعملون فعلا يظهر عجزاً وفشلاً غير مبرر ولا مقبول في برامج وزارة العمل خاصة وأن إحصاءات البطالة الرسمية لا تعكس بأي مستوى مقبول مستوى التعطل الحقيقي في صفوف العمالة المواطنة؛ كونها لا تعتبر من فقدوا الأمل في الحصول على عمل وخرجوا من سوق العمل جزء من العاطلين عن العمل الذين يجب أن تعنى بإيجاد عمل مناسب لهم. إن على وزارة العمل أن رغبت في القيام بدورها الوطني بكفاءة ألا تتحدث عن ستمائة أو سبعمائة ألف عاطل وإنما عما قد يزيد على ثلاثة ملايين عاطل على أقل تقدير، معظمهم من الإناث عاليات التأهيل، خرج معظمهم من سوق العمل بعد فقدهم أي أمل في الحصول على عمل مناسب، تم استغلال جزء منهم في عملية التوظيف الوهمي التي يمارسها القطاع الخاص لتلبية متطلبات برنامج نطاقات، وبالتالي فجميعهم خارج إحصاءات البطالة تماما. وما لم تنجح وزارة العمل في تغيير هذا الواقع وتتبنى استراتيجيات أكثر جدية في تعاملها مع قضية توطين الوظائف فستستمر في التفاخر بإنجازاتها الوهمية وتهدر فرصة تحقيق اعتماد أكبر على الموارد البشرية الوطنية مع كل ما لذلك من تبعات اقتصادية وأمنية واجتماعية في غاية الخطورة.