في عام 2008 وعندما كان المرحوم الدكتور غازي القصيبي وزيراً للعمل كانت الوزارة تقدر عدد السعوديين العاملين في القطاع الخاص ب 829,057 عامل إلا أن الوزارة اكتشفت أن ارقامها مبالغ فيها وغير حقيقية لذا، ورغم الضغوط الهائلة التي كانت عليها لإظهار أنها تحقق تقدماً في توظيف السعوديين في القطاع الخاص وإنجاح برنامج السعودة المتعثر، فقد قامت في عام 2009 بتصحيح تقديراتها لعدد العاملين السعوديين في القطاع الخاص ليتراجع العدد إلى 681,481 عامل, أي تخفيضه بنسبة كبيرة بلغت 18%، ما يعني أن وزارة العمل كانت في منتهى الشفافية مع الحكومة والمجتمع ولم يثنيها عن قول الحقيقة الانعكاسات السلبية لذلك على صورة الوزارة ومدى نجاحها في إنجاح برنامج السعودة، فالحقيقة رغم مرارتها كشفت للعموم ولم تحاول الوزارة إخفائها أو التستر عليها. اتذكر هذا الموقف وأتساءل عن سبب غياب هذه الشفافية في اداء وزارة العمل حاليا بحيث أصبحت لا تنشر انتكاسة برنامج السعودة بعد تطبيق برنامج نطاقات بل حتى تبالغ في الثناء على البرنامج رغم أن معظم من تقول الوزارة أنهم وظفوا منذ تطبيق نطاقات يمثلون سعودة وهمية أو تصحيح بيانات في نظام التأمينات الاجتماعية بهدف الوصول إلى ما يسمى بالنطاق الأخضر، أو الباب الُمشَرّع للاستقدام، ولا يمثل زيادة حقيقية في عدد السعوديين في القطاع الخاص. وهي الحقيقة التي كشفها تقرير إدارة العمالة الفلبينية العاملة في الخارج الصادر الأسبوع الماضي الذي أكدت فيه أنه لم يكن لنطاقات أي دور في الحد من تدفق العملة الفلبينية إلى المملكة، بدليل أن عدد العمالة الفلبينية العاملة في القطاع الخاص السعودي ارتفعت منذ عام 2010 بنسبة 8% بحيث وصلت الآن إلى 317 الف عامل. ولو عادت إلى وزارة العمل شفافيتها ونشرت عدد تأشيرات العمل الصادرة للقطاع الخاص منذ تطبيق نطاقات لظهر أن هناك نمواً كبير في عدد التأشيرات الصادرة، مؤكداً حقيقة أن كل ما تحقق من نطاقات هو زيادة وهمية في توظيف السعودييين مقابل زيادة حقيقية كبيرة في عدد العمالة الأجنبية. التحدي كبير أمام وزارة العمل وهي مكلفة بواحد من اصعب واخطر مشكلات هذا الوطن وأعصاها على الحل، وهي المشكلة الأم التي نتجت عنها كافة المشكلات الأخرى التي نعاني منها حاليا. فهدر مواردنا البشرية الهائلة المتمثل في تدني الشديد في نسبة مشاركتها في سوق العمل لم يتسبب فقط في ارتفاع معدلات البطالة بل هو أيضا المسئول الأول عن ارتفاع معدلات الفقر، وتدني مستويات المعيشة وارتفاع معدلات الجريمة، وهي معضلات لن يحلها الحديث عن تحقيق إنجازات غير فاعلة في توظيف العمالة السعودية، وما لم نملك الشجاعة للاعتراف بالصعوبات التي تواجهنا في حل المشكلة فإنا لن نصل إلى حل مناسب، وعدم الاعتراف بإخفاق الحلول المطبقة غياب غير مقبول للشفافية. والأمل أن تملك وزارة العمل الشجاعة التي تجعلها تعيد النظر في موقفها فتعترف بما تواجهه من صعوبات في تحقيق ما أنيط بها من مهام، ما يزيد من دعم السلطات العليا في الدولة لها ويعينها على تخطي العقبات التي تواجهها، فالأمر جد خطير ولا يحتمل مزيد من التأخير، فاستقرار بلادنا وازدهارها هو الذي على المحك وليس صورة الوزارة أو مستوى أداء مسئوليها. [email protected] أكاديمي وكاتب اقتصادي *** on twitter @alsultanam