يحمل سنواته معه, أو ينظفها أو يلقي ببعضها على قارعة الطريق. - محمد الدميني في البدء تحية تقدير وامتنان للقائمين على نادي جدة الأدبي الثقافي الذي انجح وأنجز وباقتدار «ملتقى قراءة النص» في دورته الرابعة عشرة. أشكره لأني كنت أنتقده كثيرا على منجزه الثقافي والإبداعي تحديدا وليس من باب التقليل ولكن من باب عشم المحب الذي يرى أن النادي قادر على تقديم ما هو أكثر لمدينة كجدة ولمجتمع ثقافي فاعل ومتنوع كالمجتمع الجداوي. هذه المرة كنت حاضرا ومتابعا وقريبا من جهود رئيس النادي ونائبه وأعضاء مجلس الإدارة الذين معا كانوا رائعين في تقديم عمل ثقافي يرصد الحركة الثقافية في عقد الثمانينيات الميلادية فترة قلق الثقافة والتحولات الثقافية الكبرى حيث برز تيار الحداثة الأدبية عبر رموزه وحواضنه إضافة الى الصراعات المجتمعية والتجاذبات الفكرية التي حدثت واستمرت تفاعلاتها حتى اليوم. تنظيما نجح النادي وقدم كل ما هو ممكن لهكذا محفل تجاوز مدعويه الأربعون مثقفا عدا الحاضرين من منطقة مكةالمكرمة ولكنه وككل الملتقيات الثقافية وقع في فخ تكرار ذات الأسماء «الأكاديمية» في معظمها التي أصبح حضورها ديكورا ثابتا في أي مشهد ثقافي تعيد وتجتر ذات الأطروحات التي في معظمها أطروحات مكانها مدرجات الجامعات وليس محافل ثقافية لعامة الناس. لقد صرخت فيهم إحدى المثقفات البسيطات الحاضرات في نهاية اليوم الثالث وبعفوية قائلة لقد مللناكم.. مللنا الغذامي والسريحي والثبيتي والصيخان ومفردة الحداثة.. ألا يوجد لديكم شيء غير هذا؟ ولم تكن القضية هي السريحي والغذامي وغيرهم.. القضية هي إصرار هؤلاء الأكاديميين الذين يملكون ذات الأسماء والأطروحات والأوراق على التواجد في كل محفل. نحن نعرف يقينا أن إدارات الأندية الأدبية والقائمين على فعاليات معارض الكتب وعلى الشؤون الثقافية الأخرى لن يجهدوا أنفسهم في البحث عن أسماء أخرى مرتهنين إما للكسل أو البيروقراطية أو المجاملات أو لكل تلك العوامل مجتمعة, ولكننا كنا نراهن ونعول كثيرا على وعي المثقفين أنفسهم ودورهم التنويري المفترض في أن يعتذروا عن المشاركة (أحيانا على الأقل) وأن يسموا أسماء أخرى ولكنهم وللأسف كانوا أصولي ثقافة بل وأشد أصولية من المتطرفين المتدينين ويبدو أيضا أن لديهم اعتقادا راسخا أنهم هم وحدهم الموكلون بمحو أمميتنا الثقافية والمعرفية وأنهم وحدهم من يمتلك أسرار العمل الثقافي ولكن ليدركوا جيدا أننا قد مللناهم جدا. هذه الأسماء هي من عجزت أن ترصد بصدق هذه الفترة القلقة وأن تكون صادقة في تلمسها وحومت بعيدا عبر تنظيرات أكاديمية قالت الكثير ولم تفِد بشيء. ولقد حشرت محاور كثيرة أضعفت الأوراق المقدمة وغيبت الكثير من شهادات و شهود تلك المرحلة الذين صنعوها (كأسماء أو كمؤسسات) أو شاركوها فيها وهو ما جعل مثقفا كعبده خال الذي كان في قلب تلك التحولات كمثقف وكصحفي وكقاص وروائي لا يتردد في وصف ما قيل إنه أكاذيب. والآن وقد أنفض السامر ولمحبتنا لنادي جدة وللقائمين عليه نقول لهم إن هذا الملتقى الذي عمل لمدة أربعة عشر عاما وقدم شهادات وأعمال رائعة بحاجة إلى آلية جديدة ودماء جديدة وليس بالضرورة أن ينجح الملتقى تنظيميا فقط ولكن أيضا أن ينجح في الفعل الثقافي وأن يكون قريبا من الناس. وللأكاديميين مرة أخرى وأخرى وأخرى نقول: ألم تملوا من هذه الميكرفونات؟ نحن مللناكم. - عمرو العامري