لم ترقَ كثير من بحوث ملتقى (قراءة النص الرابع عشر) الذي رعاه أدبي جدة، وختم جلساته الخميس الماضي، إلى المستوى المأمول لموضوع الملتقى، وهو (الحركة الأدبية في السعودية بين عامي 1400-1410ه)؛ فقد شغلت بعض الجلسات بموضوع الدكتورين السريحي والغذامي، وعادت تلك الخلافات الشخصية والأكاديمية وما شابهها للجدل مجدداً، إضافة إلى نتاج ثلاثة شعراء، هم (محمد الثبيتي وعبدالله الصيخان وعلي الدميني)، وكأن مرحلة الثمانينيات لم تعرف سوى تلك الأسماء الأدبية وصراعاتها فقط. توقعت أن يقود النقاد والأكاديميون من جيل الشباب دفة الحوار الساخن، ويطرح بعضهن وبعضهم ورقة عن تأثير مرحلة مهمة مثل الثمانينيات في ذلك الجيل فكرياً وإبداعياً. كما توقعت أن يدور الحوار حول إسهام المناهج التعليمية ومؤسساتها وكوادرها في الوقوف مع حركة الصحوة ضد حركة الحداثة آنذاك. كما حلمت أن تطرح بحوث أخرى دور الريادي المهم الذي قدمه بعض الوافدين من المثقفين والمبدعين العرب في دعم جيل الثمانينيات، أمثال: راشد عيسى والشاعر فواز عيد ومحمد العصار والدكتور محمد الشنطي وكمال حمدي وغيرهم في النهوض بتلك الحركة في مرحلتها. كما توقعت أن يكون الملتقى وفياً لدور الصحافة وملاحقها الثقافية المحفزة لحركة الحداثة في تلك المرحلة، سواء بالنشر لإبداعها أو بالجدل حوله. وبرغم القيمة الأدبية لكثير من الأسماء الأدبية في تلك المرحلة، وحضورها حتى اليوم في الدراسات، مثل: خديجة العمري، محمد الدميني، محمد عبيد الحربي، محمد جبر الحربي، عبدالكريم العودة، هيا العريني، عبدالله باخشوين وغيرهم، إلا أنها غابت في الأوراق البحثية المطروحة. والملاحظ على ملتقى النص كذلك انحيازه الواضح لقصيدة التفعيلية والحرة، ويتضح ذلك من اختيار نماذج الدراسات التي غيبت قصيدة النثر التي كانت بارزة ومثيرة للجدل بشكل كبير آنذاك وفي المرحلة الثمانينية موضع البحث؛ ما يؤكد جنوح الملتقى نحو قراءة النص ذي النفس التقليدي البحت، ولم ينجُ من تنهداته سوى قلة من الدراسات المقدمة. توقعت أن يعطي الملتقى أهمية ل(دور شبكات التواصل) في تحريك السائد النقدي والإبداعي، وسدها الفجوة بين جيلي الثمانينيات والتسعينيات. ولكن موضوعاً حيوياً مثل هذا غاب، وفي الأوجه الحاضرة كثير من التساؤلات حوله، بدأت تتهلهل مع آخر أوراق الملتقى؛ ما يدعوني إلى طرح سؤال يلح كلما قاربت على ختام مقالتي، ألا وهو: ما موقع المتلقي تأثيراً وتأثراً من الحركة الأدبية في الثمانينيات، الذي غاب عن تداخلات ومحاور ملتقى مهم في مناخ صحي كمناخ مدينة جدة التي حدستُ أن تكون ملتقياتها الثقافية الأدبية الفكرية مثيرة للجدل الصحي بشكل إيجابي، ينحو نحو الحداثة في الرؤية والطرح والتفكير، وهو ما خيب من كم توقعاتي؛ فلقد سجل الملتقى حضور الناقد وحضور الأكاديمي وغياب المبدع بشكل مؤكد؛ إذ لم يكن على هامش الملتقى جلسة إبداعية أو أدبية لبعض الأسماء البارزة لذلك الجيل، ولم يسجل لهم الملتقى حضوراً، وإن جاء ذلك في هيئة تقديم شهادات أدبية من قِبل بعض كتاب وأدباء وصحفيي تلك المرحلة؛ ما يدعوني إلى تأكيد ضرورة أن يحسب الحساب في مثل هذه الملتقيات للقراءات والدراسات الانطباعية التي هي بمنزلة نبض الشارع والإبداع والبوصلة الفطرية الكاشفة لثنايا كل مرحلة دون تأثرها بالحس العلمي البحث الذي ربما تنازل عن بعض الإيحاءات والأفكار خشية اتهامه بالانحياز أو بعدم الدقة العلمية، بينما تحرص الدهشة التي يتمتع بها الانطباعيون على أن تسجل ذاتها كمصدر موثوق على نفس المرحلة كيفما جاء وكان بعيداً عن أية ظنون ومحسوبيات معرفية مفخخة بالتوثيق البحت خارج مزاج الإنساني الحقيق أدبياً وإبداعياً واجتماعياً.