لا يمكن للمقال أن يجتاز صفحات سيرة العالم الشيخ محمد سالم البركاتي، وبما للقلم والصفحات حد، فبلغ الشيخ كُلَّ حد وأجتاز أثره وعطره المد، فكان للصغير كل الأب وللكبير أخاً وعضداً، فكان وقَّافاً عند الحدود، جمع من كل علم لغة، فكان يأخذ الحكمة والتأويل ويستند إلى الصحيح الجميل، لا يوصف بالوصف بل الوصف يعجز عن ملاحقته لبلاغة فكره وعلمه وجميل أثره. ولد الشيخ العالم محمد سالم بوادي فاطمة، فتربي وترعرع في أحضان والده الشيخ مساعد، فأخذ من أبيه نسخة الجمال وحكمة المقال وطلاقة اللسان، وتعلم الأدب والبلاغة والطب والعطارة والقراءة والكتابة، فاعتلى ثم ارتقى وطال وجال ودار بين الشمال إلى الجنوب، آخذاً بقوله: {هَذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ...} فأصبح عَلماً من أعلام النُبلاء، عَرف ولم يُعرف، نال الوفاء وحصل على الجزاء وأدرك الصباح فجاء الليلُ بسراجه كأنه يقول: (قُمْ أيها العالم). لا يمكن أن تكتب القلم ما كتبه هذا الشيخ العالم من الوفاء والكرم، فالمواقف تترى فكان طالب علم جمع الجمع حتى أصبح له من الفنون فنه ومن العلوم علمه - رحمه الله رحمة الرحماء. فمن ما كان لمواقفه قرابته وصداقته مع الملوك والأمراء يأخذون منه بعض العلم والحكمة، فكان الشيخ محمد سالم يحترمهم احترام الصغير للكبير مواقفه أمام الملوك والأمراء، لا تتغير بتغير الأحوال والظروف هكذا كان وما زال إلى أن توفاه الله، فخلت صورته عن الأنظار ولكن محال أن تخلو عن القلوب والأفكار، رحمه الله رحمة الفقراء ورفع منزلته لمنزلة الشهداء وخلد ذكره لسير النبلاء.