بحضور لم يُشاهد أو يحدث إلا في مثل هذه المعرض افتتح صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور فيصل بن محمد بن سعود بن عبد العزيز الرئيس الفخري للجمعية السعودية للفنون التشكيلية المعرض الأول للفنانة التشكيلية السعودية مها بنت عبد الله العسكر، حيث كان الحضور متنوعاً بين مثقفين وفنانين وفنانات وإعلاميين أخذ الجميع جولة مع سمو الأمير فيصل مستمعين للشرح حول لوحاتها تضمّن الإشارات إلى ما تحمله تلك اللوحات من مضامين وأبعاد فنية وفلسفية. وأشار سموه في حديث خاص للصفحة إلى أن بلادنا الغالية تمتلك الكثير من المبدعين في مختلف المجالات، وسنرى الكثير منها في هذا العهد المعطاء بقيادة سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، وولي عهده الأمير محمد بن نايف، وولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فما شاهدته اليوم في هذا المعرض للفنانة مها العسكر يُعد مثالاً صادقاً لما يحتضنه الفن التشكيلي السعودي من طاقات إبداعية ومصدر فخر لنا جميعاً حيث تألقت أعمالها مبينة ما لدى الفنانة من تمكُّن في اللون وتكوين العمل في انتقاء الموضوع والسيطرة على جوانب اللوحة ببناء يؤكد أنها مقدمة على الكثير من النجاح، متمنياً للفنانة مها مزيداً من التألق وأن نرى لها معارض قادمة تحقق بها طموحها وطموح المنتمين لهذا الفن. تنوع أحال المعرض إلى حديقة ألوان اشتمل المعرض على ما يزيد على الثمانين لوحة تعددت مواضيعها بين البروترية والخيول والحروفيات، برز فيها الحس اللوني ورشاقة الخط والتوازن بين الفراغ الذي يُشكّله اللون الأبيض في اللوحة وبين بقية العناصر، يوحي إلى أن الفنانة لديها القدرة على أن تشعر المشاهد باكتمال العمل دون شعور بالفراغ، هذا التنوع أحال الصالة إلى حديقة ألوان لا تسمح بالمشاهد أن يغمض عينه بقدر ما يمنحها حرية التنقل. المتلقي يرى في مجمل اللوحات فلسفة سرد قصصي وربط بين مرحلة وأخرى إذا أخذنا في الحسبان أن لوحاتها تمثّل مراحل متعددة تجارب مختلفة حسب ما تلقته من تأثر نتيجة مشاركتها في دورات تنوعت فيها سبل التنفيذ. هذا التبدل والتغير أبقى شعرة معاوية بين مجمل اللوحات ونعني به اللون الذي تركز عليه الفنانة في تنفيذ لوحاتها، حيث نرى الاهتمام الكبير به سعياً لتحقيق جانبين الأول حالة الجذب التي تؤثر في المتلقي وإحداث الدهشة يليها البحث عن أبعاد هذا الاهتمام باللون وعلاقته بالموضوع، وهو مربط الفرس كما يقال فالألوان بحد ذاتها تحمل رسائل ومعاني ومفردات كما نراها في كثير من لوحات الفنانين العالميين والعرب، وليكن الفنان السوري عمر حمدي (مالفا) مثالاً لهذا التوجه وكذلك الفنان العراقي جبر علوان.. ومن السعودية الفنان عبد الحليم رضوي الذي وصفه النقاد العالميين بالملون البارز. مها وحمل مشاعر المرأة من هنا نعود لأعمال الفنانة مها العسكر وما أبدعته في تقريب وجمع المتضادات اللونية بين ألوان ساخنة وأخرى باردة لتخرج منها بواقع محسوس أكثر منه مرئي، فالمشاهد للوحاتها يتجاوز الموضوع الذي يمكن وصفه بالعادي كالوجوه أو الخيول أو الحرف إلى عالم اللون وإيحاءاتها وتأثيره البصري. كما يمكن أن نستشف من المعرض ما يدل على أن من قام بتنفيذ تلك الأعمال هي امرأة لو لم نكن نعرف أنها الفنانة مها حيث كانت الوجوه النسائية طاغية ومستحوذة على كل اللوحات ما يمكن أن يفهم أنها تتحدث عن نفسها وإنني هنا كامرأة وليست هي بحد ذاتها، إذا أجمعنا أن اللوحة جزء من العمل والعكس كذلك، تقدم الفنانة مها المرأة كقيمة أنثوية تتكرر وتجاوز النظرة الدونية إلى ما هو أعلى إلى الشاعرية المتدفقة في الألوان والرؤية والإيقاع في لوحاتها. توتر إيجاب وسرعة إيقاع لا شك أن أي بداية لأي فنان خصوصاً عند إقامته للمعرض الأول البداية سيكشف حالات متأرجحة قوامها هواجس الفنية تجعل خطواتها ذات مستويات مختلفة بين متطلب المتلقي التي تدفعها لتقديم مفردات مفهومة قريبة من عقل ووجدان المتلقي، غير أن الأمور كما نراها في المعرض برزت تدريجياً لصالح الفنانة وهواجسها. الرمزية والواقعية بوابة الانتماء حرصت الفنانة مها العسكر على أن تقدم إبداعها كما هو وكما هو في وجدانها وكما يسيرها هو وليست هي من يسيره، وكأني بها تقول إن عليها أن تقترب من المتلقي، انطلاقاً من الواجب والرسالة التي يحملها الفنان لإنشاء الثقافة الفنية لدى الجمهور لنسهل عليه تذوق اللوحة، لوحاتها عالم قائم بذاته، تجمع فيها الإحساس الزمكاني الذي تمر به عند تنفيذ اللوحة (المكان والزمان). ومع أن غالبيتها آتية من المخيلة والبعض مقتطفات من مشاهدات عابرة أو منقولة من صور وخلافها، إلا أننا ننتظر القادم الذي سيحمل الكثير من التميُّز والانتقال إلى مرحلة المسؤولية تجاه جمهورها أكثر من السابق، بعيداً عن المشبهة أو التأثر، فالفنانة مها العسكر تمتلك الموهبة والقدرة على التخلص من أي مؤثر وستصبح مؤثرة لها تلامذتها والمتأثرون بها.