للغة التربية في التنشئة أبجديات، تتحد جميعها لتكوِّن مجموعة أخلاق الفرد، تصبح بعد التعهد بالدربة، والممارسة، والمساءلة عنها، والتنبيه إليها عند تجاوزها، صفات يتميز بها الفرد، تتجلى في سلوكه، وتغدو من مكوناته الفكرية والنفسية، ويستحق بها أن يكون مآل الاعتماد، و موئل الثقة، والقدوة لمن يصاحبه، ويتعايش، ويعمل معه،.. وكثيرا ما يشار إلى ذوي الأخلاق بالبنان في مجال عملهم، وفي أسرهم، وبين أصدقائهم، وللحديث عنهم تُحبَّر الصحائف، وتتحدث الركبان،.. أولئك هم المؤتمنون على بناء الأسر، الأكفاء الذين جاء فيهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم حين وجه من يرغب في تزويج ابنته إلى أن يتخير من يرضى دينه، وخلقه. في أبجديات تربية الأخلاق النهي عن تجاوز الكبير، بل من كمال الأدب، وحسن الخلق أن يوقر الصغيرُ كبيرَه، مثل أن لا يتخطاه في المجلس، ولا في الحديث، وأن لا يهمل رأيه، ولا يغفل مكانته، وأن يؤدي واجب الاحترام له في مسلكه حاضرا كان الكبير، أو غائبا، وأن يجعله في المشورة مرجعا، وفي الواجبات أولا، ولا يغفل خبرته، ولا يعرضه للحرج، أو يوقعه فيه.. يخفض أمامه الصوت، لا يكذبه، ولا يخدعه،.. وإن كان أبا أو أما يخفض لهما جناح الذل من الرحمة، وإن كان طاعنا في السن يسالمه، ويعينه، ويتفقده، ويخدمه، وإن كان راعيا ووليا فله الطاعة، والامتثال. هذه التربية كانت الأس الأول في المجتمع الصالح،.. لكن، قد لحق بها ما صدَّع بناءها، وقوَّض دعائمها، فالقيم الناشئة منها، والضوابط التي تُبنى عليها قد داهمها الكثير من الخلل بين الناس، حين أخذوا يلقون عرض الحائط بها، وفي ظنهم أنها تعدٍ سافر على حقوقهم الشخصية ، يزعمون أن لا فرق بين كبير، وصغير، ويرون أن من كل شخص له التعبير عن رأيه كيفما كان، وإن كان على خطأ فهو مرجع ذاته، وله السلوك بما يشاء، وكيف يرغب، والجلوس حيث يريد، وكما يريد، والفعل منوط به لا بغيره، وإن جاء في أظهر صورة للخطأ، والتجاوز، والتحلل، والغرور بالذات،.. فما وصل الناس إلى هذه القناعات، وارتكبوا هذه المتغيرات، إلا وجدنا العلاقات في سُلَّم الأعمار بينهم، والمستويات تتدهور، وفوضى السلوك فيهم تعم، ولقد تمادوا،...... وتشتتت أبجدية لغة التربية السليمة، وعصبة الأخلاق التي تؤسسها..! لقد تكسرت عتبات السُّلَّم بين الصغير في أوَّله، والكبير في أعلاه.. فمن يرمِّم هذا السُّلَّم الآن..؟!