لم يترك الإسلام قوامة الرجل على المرأة بلا ضوابط شرعية بحيث لا يخرج عن إطارها. والقوامة وظيفة شرعية جعلها الشارع للرجل تسودها الألفة والرحمة والعدل ومراعاة الحقوق والواجبات. ويظن بعض العامة أن قوامة الرجال على النساء تعني السيادة والسلطة، وأن الرجل يملك ما لا تملكه المرأة من التميز. وأمام هذه المفاهيم المغلوطة التي تسيء للإسلام وتعاليمه تدعو الحاجة إلى فهم أصيل للمفاهيم القرآنية لنعمق به فهمنا للإسلام ونرتقي بثقافتنا الإسلامية. «الجزيرة» التقت عددا من الأكاديميات السعوديات ليتحدّثن عن السبيل لإيضاح ذلك. قوامة التبعات بدايةً تقول الدكتورة عواطف بنت عبدالعزيز الظفر الأستاذة بكلية التربية بجامعة الملك فيصل بالأحساء إن الله سبحانه وتعالى أخبرنا من فوق سبع سماوات بأنه سبحانه قد أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة ورضي لنا الإسلام ديناً، قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} (المائدة: 3)، وهذا مما يدل على أن هذا الدين صالح لكل زمان ومكان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فإن هذا من لوازم كمال الدين. وإن من الدين إثبات القوامة الزوجية للزوج بضوابطها الشرعية، فإن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء} (النساء: 34)، وإن هذه القوامة من تمام نعمة الله تعالى علينا، فإنها ملائمة ومناسبة لكل من الرجل والمرأة وما خلقه الله عليه من صفات جِبِلِّية، ومن استعدادات فطرية، وينظر الإسلام إلى المرأة لكونها تلعب دورا أسريا في الأساس لكونها أما وأختا وزوجة وشريكة للرجل في تحمل مسؤولياته، فالمرأة مكلفة مع الرجل من الله جل جلاله في النهوض بمهمة الاستخلاف في الأرض. فانتشار بعض من المفاهيم المغلوطة والمتقولون عن الإسلام بأن الإسلام يجعل الرجل قواما على المرأة، وقد فرض وصاية عليها وسلبها بذلك حريتها وأهليتها وثقتها بنفسها لكن هذا غير صحيح، وليس كما يفهمون القوامة فليس قوامة الرجل في الإسلام قوامة السطوة والاستبداد والقوة والاستعباد ولكنها قوامة التبعات والالتزامات والمسؤوليات وقوامة مبنية على الشورى والتفاهم على أمور البيت والأسرة. وهذه القوامة ليس منشؤها تفضيل عنصر الرجل على عنصر المرأة وإنما منشؤها ما ركب الله في الرجل من ميزات فطرية تؤهله لدور القوامة لا توجد في المرأة بينما ركب في المرأة ميزات فطرية أخرى تؤهلها للقيام بما خلقت من أجله وهو الأمومة ورعاية البيت وشؤونه الداخلية. وجماع القول: إن نظرية الإسلام في المرأة أنها إنسان قبل كل شيء والإنسان له حقوقه الإنسانية وإنها شقيقة الرجل خلقت من نفس عنصره الذي خلق منه فهو وهي سيان في الإنسانية (إنما النساء شقائق الرجال) هكذا يقول رسولنا عليه أفضل الصلاة والتسليم ويقول الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا}. مسؤولية الرجل وتشير الدكتورة ابتسام بنت بدر الجابري أستاذة التفسير وعلوم القرآن بجامعة أم القرى إلى أنّ القوامة والولاية ونحوها أمور قد يفهمها بعض الناس أو يحرفها أو يلوونها ليجعلها تعني القهر والتعالي والازدراء، وما هي كذلك، بل ما هي إلا رحمة ورعاية وصيانة. ولا ينبغي أن تفسر هذه الصور المشرقة في رعاية النساء إلى صور عكسية للوصول إلى مآرب بغيضة تخالف شرع الله العليم الحكيم، الذي حين شرع أحكامه الشرعية وقدر أقداره الكونية إنما كانت عن علم وحكمة فيما يصلح لعباده. وليس للعبد اختيار في قدر أو شرع خير من خيرة الله له، وما يضير المرأة متى كانت تحت قوامة الرجل وفي ظلال وده ورحمته. وما يدعو الرجل للتفلت من مسؤوليته تجاه المرأة. وماذا يريد أولئك ممن يبتغون إلغاء مثل هذه المفاهيم الصحيحة واستبدالها بمفاهيم خاطئة؟! وماذا يعني بث مثل هذه الحرب في التفاضل بين الرجل والمرأة؟! والأمر في غايته سيكون كما قال تعالى: {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ}. ولا شك أن العلاقة بين الرجل والمرأة ينبغي أن تكون بصورة طيبة تكاملية تعلوها الرحمة والرعاية والمودة لا النّدّيّة الممقوتة. الوعي بالقوامة وتبيّن الأستاذة نجود بنت خالد الجابر عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود أن السبيل لفهم القوامة قائم بين الوعي والقضاء، ولم يكن الوعي بمفهوم القِوامة حاضراً في المجتمع المسلم المعاصر وذلك لسببين: حددها «نور الدين عتر» قائلاً: (أما فهم بعض الناس تفضيل ذات الرجل على ذات المرأة، فغلط قبيح ناشئ من تسلط القوي والجهل بالدين). (ماذا عن المرأة: 137) فالمعنى الصحيح للقِوامة في كتب اللغة هو: القيام على الشيء وإصلاحه، وفي إحدى تعريفاتها لدى علماء الفقه الإسلامي هي: تدبير شؤون الزوجة والقيام بما يصلحها.(بدائع الصنائع للكاساني 4/ 16). والسبيل إلى فهمها يكون بين وعي الولي بحقوق موليته وبين دور أهل الإصلاح والقضاء في حال عجزه أو تقصيره ليكون السبيل الأخير لإكسابها للولي أو إلزامها لمن دونه في الولاية. والحديث عن الوعي والقضاء قائم على ركنين: الركن الأول: المعرفة. والركن الثاني: القبول والرضا. فالمعرفة بالقِوامة هي أن يعرف الولي حق موليته، وهذه المعرفة تتحقق بالقيام على شؤون موليته، والنظر في مصالحها، والذب عنها. أما القبول والرضا هو أن تقبل المولية قِوامة ذلك الولي عليها. ويتحققان بكيفية ما على حسب الحال. فمثلاً الفتاة عند خطبتها، على الولي أن يكون قواماً بحكمته فلا يعقد قرانها إلا على كفء، ومن موجبات تلك القِوامة رفض الشريعة لنكاح الفتاة بلا ولي. ولا يخفى على الجميع أن الشريعة وسطية في كل أمور الحياة. فلو رفض الولي الخاطب الكفء فإنه يكون عاضلاً وتنتقل القِوامة لمن دونه في الولاية قضاءً. فالقِوامة في شريعتنا للرجل ولا تُنزع منه حتى لو قامت المرأة ببعض دوره، وهذا استسلام لأمر الله - عز وجل - حيث قال في كتابه: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء} (النساء: 34). وحكمة الله التي جعلها في الرجل فطرة ولم تكن بالاكتساب حاضرة عند أولي الألباب، فالطبيعة البشرية للرجل مختلفة تماماً عن المرأة، فالقِوامة هي قاعدة الأسرة وبقية أفرادها مفتقر لها. والحقيقة أن المرأة تفتقر لها كبنت وأخت وزوجة وأم. البنت والأخت تفتقر للنفقة والتربية السليمة واختيار الخاطب الكفء، والأم تفتقر للبر وهو من أعظم الحقوق على الرجل وكذلك النفقة، والزوجة وهي من حظيت بحقوق أكثر منهم، لأن الأسرة قامت عليها وعلى زوجها. وفي حال فقد البيت قِوامة الزوج مع زوجه، فسبيل أهل الإصلاح والتربية توعية المجتمع المسلم بالحقوق والواجبات، من بداية الخِطبة وكتابة عقد النكاح والعشرة والإنجاب إلى وقوع الطلاق. فالزوجة تنظر للقِوامة من قِوامة أبيها في رعايتها واختيار الكفء لها، ومن عقد قرانها. وتنظر لقِوامة الزوج بحسن العشرة والنفقة ونفقة الأولاد، وفي حال الطلاق تكون هناك أيضاً قِوامة للزوج في حفظ البيت واستقراره فقد جعل الله الطلاق مرتين يدير فيه الزوج حياتهما بحكمة وروية. فتعريف القِوامة ينبغي أن يُحد على ضوء العصر الحالي ولا يخرج عن حقيقته ومقصده. حتى نقلل من مشاكلها الناتجة ونحسن الصورة السيئة المتوقعة. فنقول: قيام الزوج بحقوق زوجه وولده حسب الشرع والعرف، والزوجة منها الطاعة حسب الاستطاعة. أي: أن من واجب الزوج معرفة حقوق زوجته ويؤديها كما هي في الشرع ويتساير مع العرف فلو كانت الزوجة من أسرة يقوم على خدمتها ورعايتها بعض الخدم فعلى الزوج أن يراعي الشرع بحكمة وفطنة فلا يطالبها بمهام الخدم! وكذلك الزوجة عليها طاعته وعشرته بما يتناسب مع الحال إذا كانت عاملة! نجد حقيقة المشكلة في القِوامة بسبب اختلاف ثقافة الزوجين وسلوكياتهم التي اكتسبوها واعتادوا عليها من آبائهم وأمهاتهم دون النظر في الحال والمآل. وللأسف غاب عن أهل الإصلاح التوعية بواقعنا أنه مختلف عمن سبقونا فقد كانت الزوجة القديمة على الفهم الصحيح للقِوامة وذلك لتحقق الركن الثاني في قبول المرأة بها. جهلوا أن الحياة تغيرت تماما في كل شيء، لم تكن المرأة القديمة تلجأ للقضاء بعكس المرأة العصرية. القضاء وضع عندما تصل الحياة إلى المرحلة الأخيرة وهي صعوبة استمرار تلك الأسرة. والمرأة العصرية للأسف تجعله المرحلة الأولى وذلك بسبب عدم قبولها للقِوامة وتمردها على حدود المصطلح شرعا وعرفا. لماذا يذهبان للقضاء وهما لم يعملا بالركنين معا؟! فعلى أهل الإصلاح بذل الجهد في تحقيقها بالوعي ولا يكون القضاء إلا آخرا. والمسؤولية منوطة على المربين وعلماء الاجتماع وأهل الخبرة في تأسس الأسر. وكأنني أرى الحمل يكون على عاتق الجمعيات الاجتماعية كجمعية «مودة» وأمثالها وقد لا أراها مقصرة ولكن أرى أن تعيد رسالة الوعي بالقِوامة حسب الشرع والعرف والاستطاعة!