لقد شعرت بخيبة أمل وصدمت حقا حيال القوى الغربية والمنظمات الحقوقية والمؤسسات الدولية التي تكتّلت ضد السعودية زاعمةً أن المملكة ارتكبت «انتهاكات لحقوق الإِنسان» على خلفية إعدامها 47 إرهابياً، بعدما خضعوا للمحاكمة وصدرت أحكام بحقّهم إثر محاكمات شفّافة استمرت فترة طويلة. بدلاً من الإشادة بالمملكة على ضربها الإرهابيين بيد من حديد، يسعى عدد كبير ممن يُسمَّون حلفاء السعودية إلى تقويض جهودها من خلال إطلاق تصاريح حاقدة وخطاباً استنكارياً. لا تستند هذه الانتقادات إلى أسس صحيحة، لا بل يتفوّه بها، في حالات كثيرة، بعض من أسوأ منتهكي حقوق الإِنسان على وجه الكرة الأرضية. لا يملك أي بلد الحق في التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، ناهيك عن انتقاد قوانينها وأحكامها القضائية. ينبغي على كل دولة أن تحمي شعبها ومؤسساتها الحكومية ممن يضمرون لها الأذى، وذلك بأفضل الطرق التي ترتئيها مناسبة، ولا سيما في منطقتنا التي ترزح تحت وطأة العنف والنزاعات. أولاً، السعودية التي تقع عند حدود اليمن والعراق اللذين تمزّقهما الحرب، وتتعرّض للتهديدات العلنية من إيران، هي في موقع شديد الحساسية، لهذا لا يمكنها أن تغضّ النظر عن الأفاعي في الداخل الذين يخططّون لإلحاق الأذى بها، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية. ثانياً، المملكة هي الضحية هنا، فقد تعرّضت سفارتها وقنصليتها في إيران للهجمات من قبل عصابات مدعومة من الدولة؛ وتمت سرقة أجهزة الكمبيوتر والمستندات على الرغم من النداءات التي وجّهها الديبلوماسيون السعوديون إلى السلطات الإيرانية لمدّهم بالمساعدة، من دون أن يلقوا آذاناً صاغية. لكن بدلاً من إدانة الحكومة الإيرانية على خرقها المعايير الديبلوماسية من جديد، تلقي الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي والأممالمتحدة باللائمة على السعودية لإعدامها سعودياً شيعياً واحداً نظّم تظاهرات عنيفة ضد الحكومة، وقدّم الدعم لخلايا إرهابية، واستعمل خطبه للدعوة إلى الإطاحة بالدولة وقام بأعمال إرهابية. ثالثاً، نحن أمام أشخاص يرشقون الآخرين بالحجارة وهم يقيمون في منازل من زجاج. لنأخذ على سبيل المثال الولاياتالمتحدة التي تسبّب اجتياحها للعراق بظهور تنظيم داعش الإرهابي، وكان العامل الأساسي وراء الانقسامات المذهبية التي يعاني منها العراق وجيرانه الآن. عندما نتذكّر غوانتانامو، وأبو غريب، وتسليم المجرمين، والتعذيب، والإعدامات من دون محاكمات، يتبيّن لنا بوضوح أن الموظفين في إدارة أوباما تلقّوا دروساً في النفاق من الطراز الأول. لقد ناشد نائب مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، بن رودس، الحكومة السعودية احترام حقوق الإِنسان، في حين ينتقد مسؤولون كبار في الإدارة الأمريكيةالرياض بسبب ما يسمّونه «الغياب الواضح للإجراءات القانونية»، و»التجاهل والإهمال» جراء التصرّف بطرق تؤدّي إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة، متناسين أن من حكم عليهم بالقتل كان بأحكام شرعية في دوائر قضائية مستقلة. وكيف يمكن أخذ النقّاد الأمريكيين على محمل الجد في حين أن المرشحين للرئاسة في الولاياتالمتحدة يدعون إلى منع جميع المسلمين، إلى جانب اللاجئين الذين تم التثبّت من هوياتهم، بما في ذلك الأيتام الذين لم تتجاوز أعمارهم خمس سنوات، من دخول البلاد؟ أي حق أخلاقي يخوّل أمريكا تأنيب الآخرين بسبب تنفيذهم عقوبة الإعدام، في حين أن 31 من ولاياتها تعدم السجناء المدانين شنقاً أو قنصاً بالرصاص أو صعقاً بالكهرباء، أو بواسطة حقنة مميتة غالباً ما يطرأ عليها خلل ما؟ العام الفائت، كان إعدام السجين جوزف وود واحداً من أطول عمليات الإعدام في التاريخ الأمريكي، فقد استغرق ساعتَين ليلفظ أنفاسه الأخيرة بسبب خلل في الحقنة التي استخدِمت في إعدامه. منذ عام 1976، أعدمت الولاياتالمتحدة 1422 مداناً، 28 منهم أُعدِموا عام 2015 و35 عام 2014. توصّلت تحاليل أجراها خبراء قانونيون في ميشيغان وبنسلفانيا إلى أن 41 في المئة منهم كانوا ضحية إخفاق العدالة. نرفع القبعة لأوباما لأنه أصدر مرسوماً تنفيذياً حول ضبط السلاح، لكن دموعه على ضحايا جرائم السلاح كانت خير تعبير عن ازدواجية المعايير الأمريكية، نظراً إلى أن الولاياتالمتحدة تعتبر أكبر مورِّد للأسلحة الفتّاكة في العالم. أصدر الاتحاد الأوروبي الذي دأب دائماً على السير على خطى واشنطن، بياناً أكّد فيه أن إعدام المدان نمر النمر يثير «مخاوف جدّية بشأن حرية التعبير واحترام الحقوق المدنية والسياسية الأساسية». أنّى لهذه البلدان أن تحاضر في العفّة في حين أنها تغلق حدودها أمام اللاجئين الهاربين من القنابل والإرهاب الذين يتجمّدون من البرد ويتضوّرون جوعاً، ويتوسّلون إلى تلك البلدان السماح لهم بدخولها في حين أنه من واجبها منحهم اللجوء بموجب القوانين والاتفاقات الدولية حول حقوق اللاجئين. أما فيما يتعلق بالحقوق المدنية والسياسية الأساسية، فقد أقدمت فرنسا، عن حق، على حظر التظاهرات رداً على الهجمات الإرهابية فيما نشرت جيشها للقيام بدوريات في الشوارع. عندما يتعرّض بلد ما للتهديد - كما كان حال فرنسا وكما هو حال السعودية الآن - يعمد إلى التشدّد في إجراءاته الأمنية حفاظاً على سلامة شعبه. كان رد الفعل البريطاني أقل حدّة نوعاً ما، الأمر الذي جعل رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون عرضة للانتقادات. لكن وزارة الخارجية البريطانية جدّدت التأكيد على معارضة المملكة المتحدة ل «عقوبة الإعدام في مختلف الظروف»، معتبرةً أنها تسيء إلى الكرامة البشرية. من حق المملكة المتحدة التعبير عن مثل هذا الرأي، لكن لماذا تشير حكومتها بأصابع الاتهام إلى السعودية في حين أن حليفتها الأقرب، الولاياتالمتحدة، تحتل مرتبة متقدّمة في إحصاءات الإعدام، إلى جانب إيرانوالعراق وكوريا الشمالية؟ يمكن قول الشيء نفسه عن الأممالمتحدة. فقد أعرب أمينها العام بان كي مون عن مخاوفه بشأن طبيعة التهم ومدى النزاهة في الإجراءات القضائية، فيما ناشد السعودية تخفيف كل عقوبات الإعدام. من هو ليحكم على مدى الإنصاف في المحاكمات السعودية في حين أنه لم يكن حاضراً خلالها؟ ولماذا لا يوجّه ملاحظات مماثلة إلى حكومات الصينوإيرانوالولاياتالمتحدة؟ من الأجدى بالأممالمتحدة أن تركّز على مشكلاتها الخاصة ولا سيما أنه يجري التحقيق مع عناصر من قوات حفظ السلام التابعة لها بتهمة الاستغلال الجنسي لقاصرات ونساء في جمهورية أفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية وليبيريا وهايتي وجنوب السودان. أما الانتقادات من القيادات العراقية فكانت تثير حقاً موجة من الضحك لو أن المسألة ليست بهذه الجدّية. فقد قال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي: «تولّد انتهاكات حقوق الإِنسان تداعيات على الأمن والاستقرار والنسيج الاجتماعي لشعوب المنطقة». حسناً، إنه الأدرى بذلك! فحكومته التي يسيطر عليها الشيعة هي من أكبر منتهكي حقوق الإِنسان، كما أنها الأكثر ممارسةً للقمع والتحيّز المذهبي بعدما باعت الشعب العراقي إلى طهران. فيما يقطع بلد عربي تلو الآخر علاقاته مع إيران، توجّه وزير الخارجية العراقي ابراهيم الجعفري إلى طهران للركوع أمام أسياده. بطبيعة الحال، انضمت منظمات حقوق الإِنسان بحماسة إلى جوقة منتقدي السعودية. تتهم منظمة هيومن رايتس ووتش التي يُعتقَد أنها أداة في أيدي وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي أي أيه)، السعودية بممارسة التمييز بحق المواطنين الشيعة، مع العلم أن النمر كان الشيعي الوحيد بين الأشخاص السبعة والأربعين الذين تم إعدامهم. وحضّت منظمة «ريبريف» المملكة المتحدة على «عدم التغاضي عن هذه الفظائع». عن أية فظائع يتحدّثون؛ إعدام إرهابيين؟ واعتبرت منظمة العفو الدولية التي تقدّم حقوق الإرهابيين على حقوق الضحايا، في بيان صادر عنها، أن تنفيذ عشرات أحكام الإعدام في اليوم نفسه يشكّل «انحداراً شديداً للسعودية نحو حضيض مشين جديد». هل كانت منظمة العفو الدولية لتتقبّل الأمر لو أنّ أحكام الإعدام نُفِّذَت على امتداد عام كامل كما هو الحال في الولاياتالمتحدة؟ إنه لأمر غريب أن هذه المجموعات تركّز على المملكة في حين أن إيران أعدمت 700 شخص شنقاً خلال العام 2015 (عدد كبير منهم ينتمي إلى الطائفة السنّية)، كما تخضع رسّامة كاريكاتور إيرانية للمحاكمة ب «جرم» مصافحة محاميها، وحُكِم على امرأة بالرجم حتى الموت في ديسمبر الماضي، ويجري اعتقال الكتّاب والشعراء ومحاكمتهم. باختصار، على البلدان التي تلطّخت أيديها بالدماء أن تهتم بشؤونها الخاصة. لقد ضاقت السعودية وحلفاؤها العرب ذرعاً بالتدخل الأجنبي، وقد عقدوا العزم على التصدّي للمؤامرات الإيرانية مهما كان الثمن. لن نصغي بعد الآن إلى الدول التي ساهمت في الأوضاع الخطيرة التي آلت إليها منطقتنا. رد فعل حلفاء السعودية المزيّفين مخيّب للآمال إنما يفتح عيوننا في الوقت نفسه. فعلى الأقل بتنا نعرف الآن ما هي الدول التي يمكننا الوثوق بها وتلك التي لا تستحق ثقتنا، وآمل بأن نكون قد تعلّمنا الدرس جيداً.