بعد أن أسدل الستار على الحدث الثقافي الأهم في المملكة بوجه عام، وفي جدة بوجه خاص، وبعد أن حصد أكثر من 800 ألف زائر ومبيعات تجاوزت عشرات الملايين طيلة أحد عشر يوما كانت كفيلة باستقبال مختلف شرائح المجتمع من أهالي جدة ومرتاديها من داخل المملكة وخارجها، أصبح هناك شبه إجماع على نجاح المعرض الدولي للكتاب بجدة، وخاصة إذا علمنا أن فترة الإعداد والترتيب بما فيها إنشاء المقر كانت في خلال أربعة أشهر فقط، وعمل ضخم بهذا الحجم لن يخلو من الملاحظات ولكن لا تدعو للتقليل من شأنه بأية حال. وستكون مرآة لنا في السنوات المقبلة -بحول الله- وللمنظمين الذين يرحبون بكل الملاحظات والنقد البناء. إنما مما زاد المعرض وهجا وقيمة وبهاء هو الاهتمام الشخصي من لدن صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكةالمكرمة وصاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن ماجد محافظ جدة، حيث أعطى هذا الاهتمام وهذه الرعاية الكريمة المعرض زخماً في الحضور المشرف الذي زاد عروس البحر الأحمر تألقاً وبهاء في معانقتها للثقافة والأدب عبر هذه التظاهرة التي تضاف إلى مخزونها الفكري وشغفها بالكتاب ورعايته نشراً وتأليفاً. وإذا ما بدأنا من أول نقطة تواجه الزائر وهي موقع المعرض نجد الأمر لم يخل من جدل دائم بين معارض يرى أن الموقع القديم في شارع حراء الذي يتوسط المدينة أو ينزاح إلى الشمال قليلا هو الأفضل والأنسب للجميع وبين أغلبية ساحقة ترى أن الموقع الجديد في أبحر الجنوبية هو الأفضل وخاصة بإطلالته الجميلة على البحر، حيث يجد القارئ نفسه بين متنفسين: المعرفة والبحر، بل إنه عامل جذب لكل من قصد البحر للتنزه خلاف المقر القديم الذي لا يقصده إلا النخبة العارفون بالمعرض. ولعل مما يحسب للمعرض ما يمكن أن نطلق عليه (طغيان الهامش على المتن) من خلال الأمسيات الثقافية وورش العمل والمسرحيات التي كانت عامل جذب ومحركا كبيرا للمعرض من خلال 10 ندوات ومحاضرات ثقافية وأدبية وورش عمل ذات العلاقة بالثقافة وصناعة النشر ومستقبلها والأمسيات الشعرية والقصصية والعروض المسرحية المختلفة ذات العلاقة بالتصوير الضوئي وتنمية مهارات وثقافة الطفل والكتابة الإبداعية للأطفال واليافعين والكتابة المسرحية والخط العربي والنشر الإلكتروني والفنون التشكيلية التي شارك فيها نخبة من رواد الحركة الثقافية والأدبية والفنية والمهتمين بالشأن الإعلامي. أما الإصدارات الجديدة ذات العدد المهول التي احتفى بها المعرض من خلال منصات التوقيع فقد أعطتنا تصورا أن الإبداع ما زال يتغلغل بيننا، وأن الكتاب ما زال له وهجه ومكانته رغم كثرة البدائل الإلكترونية التي طغت مؤخرا. كما أن العدد الكبير من محبي الكتاب الذين كانوا يؤمون المعرض بشكل يومي حتى ازدحمت جنبات المعرض من الجنسين انعكس إيجابا على مبيعات المعرض التي وصلت إلى مبالغ خيالية. لقد لبى المعرض تطلعات المجتمع السعودي بميوله الثقافي والأدبي والفكري والفني، حيث جسد هذا التجمع الكبير والتظاهرة الثقافية العالمية تنافس 440 دار نشر تنتمي ل25 دولة خليجية وعربية وعالمية في أكبر معرض من نوعه يعزز الحس المعرفي وتنمية الاحتفاء بالكتاب كوعاء لمختلف العلوم، وذلك بتربع الحدث على مساحة بلغت 20.000 متر مربع كأكبر صالة عرض بالمملكة الذي قدم إلى جانب ترويجه لثقافة الكتاب في المجتمع والسعي للرقي بصناعة النشر والتأليف منظومة متكاملة من الأنشطة والبرامج التي ترسخ مكانة جدة كمدينة للحضارة والثقافة والعلم. وسجلت الكتب المعروضة كافة رضا الجميع الذين تعرفوا خلال زياراتهم للمعرض على شتى مناحي المعرفة واقتناء ما يروق لهم من تخصصات وعلوم تحملها هذه الكتب مما دلل على كفاءة الحدث ومقدوره على أن يكون نقلة نوعية في صناعة الثقافة وداعم لحركة النشر والتأليف وإثراء للحراك المعرفي لفئات المجتمع. ونوه الجميع بنشر المعرض للوعي والمعرفة وتثقيف المجتمع بما ينمي معارفهم ويشجعهم على المزيد من القراءة والاحتفاء بالكتاب والمهتمين إثراء الحركة الفكرية واحتضان الأدباء والمثقفين وسط مشاركة مختلف الجهات الحكومية والأهلية والخدمية المشاركة في إخراج هذا الحدث بالصورة التي تليق بمستوى الرسالة والأهداف التي يقدمها. ختاما ومع النجاح الباهر للمعرض في هذا العام إلا أن الجميع يتطلع إلى نجاحات أفضل في الأعوام المقبلة وتلافي كل السلبيات والبدء بتدارسها من الآن والإعداد لمعرض العام المقبل الذي يجب أن يكون متميزا بتميز إنسان جدة.