لا أعرف من أين ابدأ هل هو من الرسالة التي نزلت كالصاعقة على جميع من قرأها أو من بدايته رحمه الله ومعاملته الطيبة مع الجميع. ولكن كانت المصيبة عندما قرأت الرسالة والتي كتب فيها (وفاة عبدالله علي المسعد) جلست أبحث عن اسم مشابه له من أقاربه وأحفاده من الشباب لأن الحوادث أخذت من أعمار الشباب وصرنا نصلي بين فترة وأخرى على 2 أو 3 من الشباب الذين قضوا في حوادث مأساوية بينما في السابق كان خبر الوفاة ينحصر في شخصين أما كبير سن مقعد أو مريض طال مرضه وتدهورت صحته. ولكن بعد البحث والتقصي فوجئت بأن المقصود هو الخال أبا علي ولم يكن أحداً غيره. فرضينا بالقضاء والقدر ولكن النفس لم تصدق ما حدث وهو كان قبيل وفاته بساعات بأتم صحته وعافيته ولكنه الأجل لا مرد له. فحتى وقت دفنه رحمه الله بعد الصلاة عليه كان الحضور كبيراً جداً نساء ورجال مع أنه كان رحمه الله منعزلاً بعد تقاعده في مزرعة صغيرة اشترى أرضها وبدأ يعمل بها مع زوجته المتقاعدة وأصبحت سكناً لهم يزورهم فيها أبناؤهم وأقاربهم بكل وقت كما أنهم يترددون على المدينة القصب إذا دعت الضرورة في أي وقت لقضاء حاجاتهم الضرورية واستمروا على هذا الحال لعدة سنوات حتى أتاه الأجل رحمه الله. لقد كان في شبابه شاباً قوياً كبير الجسم نشيطاً يحرص الكثير على أن يعمل لديهم سواء في الزراعة أو الأعمال اليدوية كالبناء وأي أعمال أخرى هي مصدراً للرزق قبل التطور وقدوم العمالة من كل صوب, حيث كان رحمه الله يعمل بجد دون اتفاق لأنه بين جماعته في القرية التي يسكنها بسكانها المحدودين وبيوتها ومزارعها التي تحيط بها مما جعله محبوباً ومرغوباً من الجميع ولم يختلف مع أحد طوال مدة عمله التي أنهاها بالتخصص في إصلاح المكائن وتركيبها في المزارع وكذلك إصلاح بعض المعدات الزراعية الخفيفة والمواطير والدراجات النارية حيث لا يوجد في ذلك الوقت مهندسين مع أن الآلات محدودة وكذلك المزارع ومكائنها وآلاتها قليلة جداً مقارنة بالنهضة الزراعية الحالية ودخول الكهرباء في المزارع وغيرها من القرى الصغيرة. لم تكن السيارات متوفرة في السابق وكان يستعمل الدباب كوسيلة لتنقله في عمله وذهابه للعمل في المزارع من جرد النخيل وتلقيحها وتقطيعها وما يلزم لذلك متنقلاً من مزرعة إلى أخرى طلباً للكسب ومساعدة لأصحاب المزارع الذين لم تصلهم العمالة في ذلك الوقت. بعدها وبعد أن كبر سنه قليلاً عمل سائقاً للباص في مدارالتعليم العام للبنات بالقصب وكان مثالاً للانتظام والانضباط والدقة في المواعيد منفذاً لكل أمر يؤمر به حتى لو لم يكن مقبولاً أو غير مناسب لعدم رغبته في الجدال منذ صغره وهذه ميزة بقيت معه حتى توفي منعزلاً عن كل ما من شأنه وقوع أي خصام بينه وبين أحد حتى حقوقه إذا لم تأته إلا بالجدال والمطالبات فإنه يتركها حتى تأتي أو يستخلف الله فيها. واستمر على حاله دون ملل أو كلل. حتى حان وقت الصلاة عليه وكان اكثر من بكى وملأ المسجد هم أهل قريته وأقاربه وأصدقائه وكل من يعرفه أو سمع عنه وكذلك طالباته اللاتي اصبح الكثير منهن أمهات وجدات الآن مع طول الزمن وكذلك الرجال الذين امتلأ المسجد بهم وقدموا من كل مكان لأداء الصلاة. تكرر الدعاء له من كل منسوبي التعليم وخصوصا من البنات والنساء التي كان يعمل معهن والأمهات ربات البيوت الذين يرين فيه الأب لبناتهن بالأمانة والصدق والمحافظة عليهن دون كلل أو ملل أو زعل أو ضيق بل بالابتسامة التي لا تفارقه ابداً. عاش كريماً مبتسماً لا يرى للدنيا قيمة سوى في الذكر وطاعة الله ومساعدة الآخرين وترك ما يورث الخصام والجدال في كل شي حتى انعزل في مزرعته عن كل ما يسبب له الضيق أو يجعل منه إنسانا يطمح في الزائل من هذه الحياة. رحمك الله أبا علي وجعل مثواك الجنة وأعان عائلتك على فقدك وخصوصاً زوجتك التي لازمتك اكثر من 50 عاماً تشاركك في كل شيء. ذكرياتي معه كثيرة عندما كان يعمل مع والدي في المزرعة رحمهم الله جميعاً وكان يداعبنا بابتسامته المعهودة دون أن يغضب أو يغضبنا ويبعدنا عن اشغالهم عن العمل ونحن صغاراً بكلمات لطيفة لن ننساها ابداً وسندعوا له بالجنة كل ما حلت ذكراه وهي حاضرة دائماً فبصماته في كل شي وسيرته عطرة شهد بها الجميع, رحمك الله أبا علي وأسكنك فسيح جناته.