إنّ من أجمل الأعمال والمهن مهنة التدريس ونشر العلم وتنوير العقول، فالعلم به تُرتفع الأمم، وبه تصل لمرادها، ومن دونه تبقى متخلِّفة ولا قيمة لها، وإنّ للمعلم أجراً عظيماً إذا أخلص في عمله، ويبغله الدرجات العليا في الآخرة، أما في الدنيا فله فضل كبير على من ينهل منه العلم، فالجاهل بفضل ذلك المُعلم أصبح طبيباً ومهندساً ومعلماً ينشر ما تعلّمه، ولذلك أصبحت مهنة التدريس من أشرف وأهم المهن بلا شك. المربي الفاضل والأستاذ القدير محمد بن عبد الرحمن الملحم، خدم في هذا المجال لسنوات عديدة قاربت الأربعة عقود بإخلاص وجد وتفانٍ يشهدُ به الجميع، لم تُسجل عليه ملاحظة واحدة، دخل هذا الميدان وخرج منه بسجل ناصع البياض، دخل هذا المجال وخرج منه والكُل يشهدُ له بحُسن السيرة والسلوك، فأيّ شرف نلته يا أبا نواف، وأيّ منزلة في القلوب بلغت، هنيئاً لك هذه السيرة العطرة، وهنيئاً للتعليم بأمثالك، وهنيئاً لنا بمزاملتك والاستفادة من خبرتك. أبا نواف وأنت تودع هذا الميدان التربوي الشامخ، وقد تخرّج على يدك المئات .. فهذا طبيب، وهذا مهندس، وذاك صيدلي، والآخر قاضٍ، ومنهم المعلِّم، كلُّهم يدينون بالفضل لك بعد الله، ويذكرونك بخير ويدعون لك بالتوفيق ودوام الصحة والعافية وطول العمر بطاعة الله . أبا نواف الأيام تمر سريعاً والليالي تنقضي، ولكن ذكرك سيبقى لا تشوبه شائبة، ولا تدنِّسه خطيئة، أنصع من البياض، وأشرف من الشرف ذاته. أبا نواف تمر السنوات واسمك يتردّد هُنا وهناك، وطيب سيرتك تتزين بها المسامع في المجالس، فكل ما قيل فيك قليل، فأنت رمز الإخلاص في هذا الزمن البخيل. أبا نواف الكل ماضٍ، والكل راحلٌ من مكانه، والسعيد من ترك شيئاً جميلاً يذكره الناس به، فأنت كل ما تركت جميل، وكل ما طبعت في أذهاننا لا تمحوه السنين. أبا نواف ودّعناك جسداً وستبقى معنا بقلبك وروحك المرحة، وابتسامتك المشرقة، وقفشاتك الجميلة، وعباراتك الرنانة، وقصصك المشوّقة. لقد خسر التعليم أحد فرسانه الأوفياء بترجُّل الفارس الشهم الأصيل محمد الملحم، وستبقى عجلة التعليم مستمرة بوجود الأوفياء أمثاله، وبهم سيبقى التعليم بأمن وأمان بإذن الله تعالى.