الإسراف ليس مذمومًا دائمًا، فالإسراف في فعل الخير أمر محمود، وكذا الإسراف في المحبة، وخدمة الناس، ومن يفعل ذلك لا يعدم جوازيه، ولكن هناك حالات إسراف غير جيدة، فدونكم ما يحدث في مناسبات الأفراح، من إسراف في الطعام، واستئجار الأماكن الغالية الثمن، فهناك مناسبات تكون تكلفتها بالملايين، وما زالت صور موائد حفلات «المزاين» تطالعنا كل يوم، وهي موائد ضخمة، تكلف مئات الآلاف، وينتهي بها المطاف في مكبات النفايات، وهناك الإسراف في الفجور في الخصومة، وهو الأمر الذي ابتلينا به مع صراع التيارات الفكرية هنا، فتقرأ ما لا يمكن أن تصدقه، ممن يحسن الناس الظن بهم، فمن الكذب، إلى الشتائم المقذعة، إلى الاتهام في الأعراض، للأسف الشديد، وهو إسراف ما زلنا نعاني من تبعاته، فكثير من المسائل العالقة تأجل حلها بسبب هذا الصراع المرير، مع أنها في الغالب مسائل بسيطة يمكن حلها بشخطة قلم، وفي وقت يسير. ومن أشكال الإسراف هناك التشجيع الرياضي، فهناك نكرات أصبحت من نجوم المجتمع، مع أن مؤهلها الوحيد هو الإسراف في التعصب، وفي هجاء الطرف الآخر، حتى لتخال أن حربًا على وشك الوقوع، وهناك الإسراف في التمظهر، حتى اختلت القيم، فكم من متمظهر صار في صدر المجلس، مع أنه لا يحمل فكرًا، ولا علمًا ينتفع به، ولكنه أسرف فيما يجذب الناس إليه، ودونكم الفضائيات التلفزيونية، فهم هناك، ولا يمكن أن ننسى قضية الإسراف في الشهادات العليا، حتى أصبح مصطلح «هلكوني» هو سيد الموقف مؤخرًا، فقد أسرف تجار العلم في فتح الدكاكين، وأسرف طالبو شهادات الوجاهة في شرائها بأسعار زهيدة، حتى صار من الصعب أن تفرق بين من أسرف في طلب العلم حقًا، وهو أمر محمود، وبين من أسرف في ازدراء الناس، عن طريق شراء شهادة من جامعة لا وجود لها إلا في دكان تجاري صغير، ومع أن هناك من يظن أن اللاعب الأرجنتيني الإسطوري ميسي يسرف في تسجيل الأهداف، إلا أن عشاق فريق برشلونة الإسباني لا يرون بأسًا في مثل هذا الإسراف، وعلى هذا فقس!. ونختم المقال بأمر محزن، إِذ لم نكن نعرف بأن هناك إسرافًا يفضي إلى الموت، إلا بعد أن اكتشفنا، مؤخرًا، بأن ندرة من أولياء الأمور يسعون إلى تأديب أطفالهم بشكل قاسٍ، وينتهي ذلك بموت الطفل بطريقة بشعة، ويسمى هذا: «إسراف في التأديب»، والغريب أنه لا يتم عقاب هؤلاء القاسية قلوبهم، إِذ إن جريمتهم لا تعدو أن تكون إسرافًا في التربية، وكل ما نخشاه هو أن تتكرر حوادث الإسراف في التأديب، ويصبح طبيعيًا أن نشاهد طفلاً معاقًا، أو أعمى البصر، أو مبتور القدمين، نتيجة لإسراف ولي أمره في تأديبه، وهذا قد لا يكون مستبعدًا، بعد أن أصبح طبيعيًا أن تكون الكسور في الجمجمة، واليدين، والظهر، وبالتالي الموت مجرد «إسراف في التأديب»، فنرجوكم يا أحبتي ونناشدكم الله ألا تسرفوا إلا في فعل الخير، جزاكم الله عنا كل خير.