وقبل أن يطل عامنا الجديد اجتمعنا كغريبين يلوحان لشفة أبريل، كصهيل فارسين ترجلا كي يرمقا بعضهما.. «لبرهة» ويجلسان ليرتديا نهرا رماديا كلون حبر الكلام على صحيفة ارتمت في أحضان طاولة قريبة منهما ولا كلام هنا.. لا سراب ابيض سوى بحة الصدى وغصات الترقب.. لا أحد سواك سوى خطاك.. على نبضي.. أراني فيك.. وكأني أقف أمامي.. أجس إخفاقات تفيض من قلبي.. من أغنية لغريبين عبرت صدفة بيننا.. من سيسبقني إلى لهفتك.. من سيعطيني بطاقة لحريتي كي أغفو قطرة على صدرك كي ابتهج بين برزخ ما قبل أبريل وما بعده كي أغفو بين قطعتين من الماس يصقلهما التذكر! قال لها: لنظل أنيقين هكذا بياقاتنا العالية بعيدين عن بعضنا.. بعدين بما يكفي عن أشجار الياسمين حتى لا نحرك البياض ، ولا تستفيق حكاية اثنين اختلسا من العمر صدفة على شفة أبريل وحتى لا نرش الملح على منحدرات الحظ فنؤجج احتمالات الغياب.. حتى لا يمر الدمع من هنا.. وحتى لا ترشح روحك على قلبي فيغرق أكثر وأكثر.. لقد رتبت هذا الصبح بما يكفي لأن ارتشف قهوتك بنكهتك أنت.. واقف على منفاي فيك.. بما يكفي أن اجمع فوضاى في حقيبة يدك في رشة من زجاجة عطرك وفي مواسم احمر الشفاه الذي اعتنق الصمت على شفتيك.. وعندما أغمض عيني أرتب موعدا آخر في المساء بين شوارع ليلي أتركك محفورة على جذوع أحلامي.. على سقف غرفتي.. رسمتك أنت.. «فلا أنت إلا أنت « وهذا القلب المهاجر إليك.. ولا أحد سواك.. كان المكان عتبة من حنين في طرف مقهى منسي في طرف مدينة باردة.. معبأ بالدخان كل وجوه العابرين في هذه المحطة مثلنا.. ممزوجة بمواسم الياسمين والترقب لانفعالات طرقات الوادع لسراب مملح بلون التوق والتلاشي.. يضعون حبهم زهورا بيضاء وأناشيد مغروسة في خاصرة الطرقات.. ويغلقون أناملهم على حفنة من ماء ولحن غائم في ليله مقمرة في مكان مااااا.. .. اقترب منها ووضع وردة على الطاولة الهزيلة بينهما ورسم لوحة صامتة على شفتيه.. كانت ترتمي حرة بين أحضان أريكتها المتشنجة.. حتى الأريكة خائفة مثلها من كتاب الرحيل.. من أقاويل.. السحب تذهب عندما تريد هباء.. قالت له: ابق هنا دقيقة أخرى فقط حتى اجمع أنفاسي وأغادر.. أمهلني خفقة أتنشقها قبل أن أتوارى خلف الصفصاف.. دقيقة حتى تستوعب الأرض خطانا.. وحتى لا يستيقظ فنجان القهوة وخيط الدخان على مواجع رحيلنا.. وحتى لا يلتفت هذا الكوب الممتلئ بالماء نحونا وحتى لا ينشطر هذا الجدار.. ولا تنمو عشر معلقات تدمع على شفة هذا الموعد، لا تبتعد.. حتى لا أراك وحيدا.. قالت : «إنني خائفة» من عبور الحكايات على سجيتها.. دقيقة حتى احلم بدقيقة أخرى وأن أغير طريقي الذي يمضي دائما بدوني.. حتى تتسع هذه الطرقات لي ولأسئلتي الصعبة ولا تحاصرني المفكرات وأنا أدون خفقات قلوب هذه الطيور المعبأة بالاااااااه.. وحتى يحل الربيع على سوسنات قلبي.. لا تذهب حتى لا تهتز هذه الأرض تحت مفاصل لهفتي.. حتى يسمع خطوك حنين العنادل.. ابق جالسا ولا تضع قبلتك على عيني فنفترق ابداااا ابق هنا.. حتى ترسم تلويحتك على جبيني قبل أن تبعثرني الريح.. وتهديني للهذيان. وأخيرا ترجلت عن حشرجتك ورحلت.. وبقيت وحدي مع هذا النصل الذي يتذكر.. وأنا ألف خيوط قلبي.. وألملم أعواد القصب التي ثقبتها الرياح فصارت نايا ينزف لحنا أحاديا بعدك.. بقيت يحاورني الخواء أحملق في جداريه صاخبة تعلقت في ركن المكان صورة لأبطال حكاية أسطورية يتكئون على حلم لحظة بقيت في لحظة استيعاب ما قالته مفكرتها الصَّغيرة عنه عن لعثمة اللقاء الأول وعن عتمة الصباح الأخير تلملم بقايا قمحها المبعثر على سنتيمترات المكان وشالها الداكن وتمضي.