في إحدى المعارك في النصف الثاني من القرن الثالث عشر الهجري ووسط عج الرمك ورائحة البارود وصيحات الأبطال التقى فارسان يريد كل منهما صاحبه فرمى احدهما برمحٍ طعن به صاحبه وأصابه في فخذه إصابة قاتلة انطلق منها الدم غزيرا وسقط من على جواده فنزل الاخر وغنم متاعه ثم انصرف, وانقضت هذه المعركة وانقضت الأيامِ والسنين وبعد أربعين عاما ذهب رجل على راحلته في سفر يريد بلدا في عالية نجد ولما جن عليه الليل قرر أن يميل على فريق بدو قطين على عد ثم نزل عند راعي بيت فأكرمه وعشاه وأخذا يتبادلان الحديث والقصص وبدأ صاحب البيت يسأل صاحبه عن أي المعارك والغزوات قد حضر والضيف يجيب تارة ويرد السؤال تارة حتى أخبره عن تلك الوقعة قبل أربعين عاما وكيف أنه طعن فارسا في فخذه وأرداه قتيلا عندها تبسم صاحب البيت ثم كشف عن رجله وقال له أنا صاحبك اللي تقول, ووالله أنك يوم طعنتني اني ما ادري الطعنة جت في رجلي وإلا في الفرس عندها غشي علي ولم أفق الا عند النساء يطببنني قد نشف ريقي من الظما, ثم اقسم الا يبارح المكان حتى يكرمه بوليمة يجمع لها الرجال وفعلا قام الرجل بما يلزم وجمع الرجال واخبرهم أن هذا الضيف هو فلان بن فلان صاحب الطعنة التي تسببت لي بالعرج منذ أربعين عاما في المعركة الفلانية وهذي كرامته وتراه في وجهي أنا لين ياصل مبتغاه وحتى يرجع إلى اهله ثم أمر له بناقة وحمل عليها من الزاد والمؤونة ما يستطيع حمله. هذه القصة تحمل معاني جمة من معاني الفروسية والكرم والتسامح والأنفة العربية منها على سبيل المثال لا الحصر تبجيل الفرسان عند العرب حتى وإن كانوا من الخصوم بل ايضا وإن كانوا ممن كان لهم افعال ضد بعضهم البعض انطر مثلا فرحة صاحب القصة عندما عرف أن ضيفه هذا من كاد أن يقتله قبل أربعين عاما قام على الفور بالتعريف بنفسه وكشف عن رجله وسمح له برؤية اثار طعنته بل وأقسم عليه بالوليمة وقبول المعونة, ومن المعاني ايضا إكرام الضيف وإن كان مجهولا, وأيضا منع الرجل الرجل وانزاله عليه ومعناه انه ان كان رجلا عابرا لديار قبيلة ما أو حتى اراد مرعى لابله فإنه يبحث عمن ينزله من افراد تلك القبيلة صاحبة الارض فإذا وجد فإنه في وجهه حتى يخرج من حدود القبيلة حتى إذا سئل من انت نازل عليه قال أنا نازل على فلان بن فلان من الفلاينة فلا يقربه أحد حتى يخرج. قد تكون هذه الفرحة مستغربة في وقتنا الحاضر لكنها ليست كذلك في ذلك الزمن، إذا كيف يؤمّن الرجل رجلا لايعرفه فكيف به وقد حاول قتله!! كثيرة هي صور مكارم الإخلاص عند العرب سواء في الجاهلية أو الإسلام وكثيرة هي الكتب والقصص التي تتحدث عن ذلك. الجميل أن الأحقاد تبقى في أرض المعركة فقط والأجمل أن فخر العربي بقبيلة لايقل عن فخره بخصومه..