ماذا لو نجح رهان أوباما والدول الأقوى في العالم على الإصلاحيين في إيران، وتراجع المتشددون الكهنوتيون إلى الوراء، وتهاوى نفوذهم، وقدرتهم على توجيه القرار السياسي، هل سيكون ذلك في مصلحة المملكة والمنظومة الخليجية؟ السؤال بالرغم من أنه سؤال جدلي غير واقعي، لا يسنده ما نراه وما نسمعه مما يصدر من طهران من تصريحات، إلا أن إجابته: نعم بكل تأكيد. مشكلتنا مع إيران هي ذات مشكلتنا مع الكهنوتيين السنة، (التأسلم السياسي)؛ حيث لا يحترم هؤلاء ولا أولئك الأوطان، ولا سيادتها، ولا يعبأون بحدودها وسلطاتها، فالوطن في قواميسهم ليس إلا (حفنة من تراب) لا قيمة له، لهذا تجدهم يُصدِّرون أيديولوجياتهم، إلى كل بلاد الدنيا؛ فاستقلال وسيادة الدول، لا يعبأون بها، ليضعوا رابط العقيدة الدينية، هو الرابط الذي لا يحده زمان ولا مكان؛ والشيعة والسنة في البواعث والمنطلقات هذه (سواء). إيران دولة جارة، وستبقى جارة أمد الدهر، ما لم تتفكك لعدة دول؛ وقد علمنا التاريخ أن ما يجري في جوارك تتأثر به والعكس صحيح؛ وأقرب مثال على ما أقول، الصحوة المشؤومة التي كلفتنا الكثير والكثير جدًا على مستوى التنمية الشاملة، التي أفرزت في نهاية المطاف (داعش) و(القاعدة)؛ فانتصار الخميني في إيران المجاورة، كان من ضمن العوامل والأسباب الرئيسة التي أوقدت جذوة (الماضوية) في مجتمعاتنا والمجتمعات العربية، وجعلت السنة العرب يعودون إلى إرثهم ومأثورهم الماضي، ينبشون فيه، ويستقون منه حلولاً لحاضرهم المتخلف. لذلك يمكن القول، إن سقوط الكهنوتيين المتشددين في إيران، وانتصار التيار المنفتح والإصلاحي، سينعكس - أيضًا - بشكل إيجابي علينا، ويسهم في تقليم أظافر الكهنوتيين السنة المتشددين، وتعود مسيرة التنمية الحضارية الشاملة، كما كانت قبل الصحوة، أي قبيل الثمانينيات من العقد الماضي؛ وهذا يصبُّ في مصلحة الأوطان العربية، ويسهم في تكريس أمنها واستقرارها دون منغصات إرهابية، ويعود الإنسان في المنطقة للتطلع للمستقبل لا إلى الماضي وما يكتنفه من أحقاد وأحداث طائفية، لن يُثير إحياؤها إلا الصراعات المذهبية وتكريس الكراهية بين الشعوب. وهذا بالنسبة لنا عز الطلب. هذا من الجانب السياسي الموضوعي، البعيد عن التعصب للإيديولوجيات الماورائية. أما من الجانب الاقتصادي فنجاح الإصلاحيين سيجذب كثيرًا من الرساميل الاستثمارية إلى إيران، فينشغلون بتنمية الداخل الإيراني، عن الانشغال بتصدير ثورتهم، وإيقاد الحرائق الطائفية في البلدان المجاورة، نظرًا لتوفر الفرص الاستثمارية الذهبية هناك؛ فخلال ما يقرب من أربعة عقود حكم فيها الكهنوتيون المتشددون، أبعدوا إيران عن الاستثمار الأجنبي، ونأوا بها، وبتنميتها عن مواكبة التحديث والتطوير العالمي، ما جعل فرصها الاستثمارية أشبه ما تكون بمنجم ألماس تُحيط به الأقاعي من كل جانب؛ فإذا تخلص الإيرانيون - كما يراهن أوباما - من الأفاعي الأصولية، فالمنجم مُهيأ لأن يكون أقضل استثمار - ربما - في العالم. وهذا بالنسبة للرساميل الخليجية تحديدًا فرصة لا تقدر بثمن، حيث إن عامل القرب الجغرافي، ووجود سوق خليجية في الجوار الإيراني لتسويق منتجات استثماراتهم، ذات قوة شرائية عالية، يجعل للمستثمر الخليجي (ميزة نسبية) على غيره من المستثمرين في العالم. لذلك كله، فنحن لا أمريكا، يهمنا أن ينتصر، ويتنفذ الإصلاحيون، وأن يتراجع إلى حوزاتهم الأصوليون الكهنوتيون المتشددون. لكن - وللأسف - كل هذه مجرد أضغاث أحلام؛ ففي إيران يسيطر الكهنوتيون المتشددون على كل مكونات القوة، بما فيها القوة الاقتصادية فضلاً عن العسكرية، كما أن دستور إيران الحالي الذي صاغه (الخميني) هو دستور كهنوتي متشدد قلبًا وقالبًا، ما يحعل الرهان على الإصلاحيين، وتمكنهم ونفوذهم بعد الاتفاق النووي، ضربًا من ضروب المتعذر المستحيل؛ وهنا أس مشكلتنا التي يأبى الغرب أن يفهمها؛ فالذي يراهن على الإصلاحيين في إيران، مثل من يبحث عن (الكمأة) في صحراء لا تعرف المطر قط، فالمشكلة أن إيران أسست وقامت على ثقافة الحياة الآخرة حسب المنظور الشيعي، لا على نظريات المنفعة الاقتصادية الدنيوية. هنا أس مشكلتنا مع إيران ومع أحلام أوباما. إلى اللقاء.