مع تعثر اليونان عن سداد قرض بسيط مستحق لصندوق النقد الدولي قبل نحو أسبوعين، يتساءل الكثير من الإخوة الكرام عن الأسباب التي دعت اليونانيين للتفكير بقرار إفلاس بلدهم و التهديد به مستقبلاً و هم الذين سيخسرون أكثر في حال المضي قدماً بقرار الإفلاس في ظل توقعات بهبوط قوي جداً في أسعار الصرف العالمية لعملة الدراخما (في حال اعتمادها) و بعدم قدرتها على استيراد السلع الأجنبية و بإفلاس مصارف يونانية إذا لم يتم دعمها بضخ نقدية جديدة و غيره من الانعكاسات السلبية على الاقتصاد اليوناني التي لا تخفى على أحد!! في الحقيقة أن لجوء اليونانيين لفكرة الإفلاس و التلويح بها الآن هو بسبب سياسات التقشف المالي الصارمة التي فرضها عليهم الدائنون منذ سنوات طويلة ثم زادت صرامتها في السنوات الأخيرة لدرجة لم يعد في قدرة اليونانيين أن ينتجوا حتى أصبحوا كالرجل المقيدة يديه بالأصفاد ثم يطلب منه أن يعمل بيده!!! بينما نجد تعامل مختلف جذرياً مع الدول الكبرى ذات المديونية الضخمة عندما تتعرض لإنخفاض في إنتاجيتها، حيث يتم التعامل معها بالعكس تماماً من خلال تشجيعها على إتباع سياسات إنفاق توسعية و طباعة عملة جديدة من دون غطاء نقدي!! و هذه بلا شك معادلة غير عادلة لن تستمر طويلاً بأي حال من الأحوال. مع بلوغ حجم الدين الحكومي ما يزيد عن 320 مليار يورو و عدم القدرة على سداد «خدمة» الدين، أدرك اليونانيين إستحالة قدرتهم على سداد كامل الدين الحكومي و فوائده و لو استمروا بنفس النهج لفترة 500 عام أخرى و الأهم من كل ذلك أنهم وصلوا لمرحلة خطيرة تتمثل في «لا شيئ سيخسروه أكثر» و لهذا كان لابد لهم أن يفعلوا أي شيء لتغيير هذا الوضع و لو بلغ بهم لحد الإفلاس، أما الدائنون فقد أصبحوا بين خيارين كلاهما صعب: إما تسجيل ديونهم على اليونان في دفاترهم بقيمة صفر و إما القبول بإعادة هيكلة للديون و لكن بالشروط اليونانية فقط ( أي القبول بخصم كبير لقيمة الديون و تقديم ديون جديدة بشروط ما يهمنا من كل ما سبق أن الخطر الحقيقي في رأيي المتواضع هو ليس لأن اليونان أصبحت أول دولة «متقدمة» في التاريخ تعلن إفلاسها لأن أي دولة في العالم قد تتعرض للإفلاس، و لكن الخطر الحقيقي سيبرز في حال إمتدت فكرة الإفلاس الاختياري مستقبلاً لتشمل دول «متقدمة» أخرى مثل إيطاليا و إسبانيا و البرتغال تحت شعار nothing to lose more، و هنا يجب أن نتنبه إلى ملاحظة غريبة قد تحدث قريباً و هي أن اليونان قد تلعب نفس الدور الذي لعبه البوعزيزي عند اندلاع ثورات الربيع العربي عام 2011م تحت نفس الشعار و بالتالي قد تكون اليونان هي الأخرى شرارة و لكن لثورات إفلاس بين الدول المتقدمة و الله أعلم.