اللوحات الفنية في منطقة الشرق الأوسط، وخصوصاً الشام ومصر والجزائر، تعود للفنانين المستشرقين، أو ما يطلق عليهم فنانو القرن التاسع عشر الأوروبيون، باعتبارهم المؤسسين للفنون الاستشراقية التي كانوا يعكسون فيها واقع الشرق. وقد شهد الجزء الأخير من القرن التاسع عشر الاهتمام الأكبر من قبل الغربيين لمعرفة الحياة العربية وطبيعة تلك الحياة وتعقيداتها. ولما كان الفنانون عادة أشبه بالموثقين عبر الصورة (اللوحة) بما يوازي الصورة الفوتوغرافية، أو الأفلام الوثائقية في عصرنا الحديث للحياة السائدة في عهدهم، فقد حقق فنانو القرن التاسع وبقدرات عالية كل مظاهر الحياة العربية في ذلك القرن، برزت فيها الموضوعات التي تميزت بالألوان وشمس الشرق؛ إذ صوروا المشاهد في الطبيعة أو الحياة الاجتماعية أو مظاهر الآثار. ومن شدة الاهتمام من هؤلاء الفنانين بهذا الواقع أنشؤوا استوديوهاتهم الخاصة التي يمارسون فيها الرسوم واستكمال اللوحات التي رسموها. وإذا كان الرسامون المستشرقون قد غطوا بلوحاتهم مظاهر الحياة اليومية في الأزقة والبيوت والأسواق، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد شملت اللوحات الحياة البدوية والقرى والأرياف ومشاهد الفروسية العربية في الصحراء التي تزدان بلونها الذهبي عند الغروب، وصور النساء في الواحات يحصدن الذرة، أو يجلبن الماء. وقد تعددت جنسيات الفنانين في تلك الفترة، منهم الفرنسيون والإيطاليون والنمساويون.. لكن فنون الاستشراق تضم في الواقع عدداً كبيراً من الفنانين المجريين واليونانيين والبريطانيين والإسبان والألمان. ويمكن القول إن الفنانين الفرنسيين هم الأبرز لهذا الفن، وفي مقدمتهم جيرومي. ويأتي تميز الفرنسيين لتعمقهم في رسم التفاصيل بدقة، وباستخدام الألوان المناسبة والغنية ورسم التفاصيل الدقيقة. أما النمساويون فأعمالهم تتميز بالإحساس المرهف والاهتمام بتفاصيل المناظر الداخلية. وقد وجدت فنون العمارة اهتماماً كبيراً من الفنانين المستشرقين، وخصوصاً بيوت العبادة، ونخص هنا المساجد التي اشتُهر برسمها (باسكال سكوت، ديفيد روبرتس، ألويشس أو كيلي، وغيرهم)، الذين رصدوا تلك المساجد مع ما أثار إعجاب أحدهم، وهو رحالة إيطالي، بالمسحراتي وبالمظاهر الإيمانية التي تتجلى في تجمعات المصلين بعد الصلاة لتلقي علوم دينهم، إضافة إلى ما يرونه من جمال المساجد واهتمام المسلمين بها وما يحل بالشوارع، وخصوصاً في القاهرة، كما رواه أحد الرحالة من إضفاء الفوانيس المختلفة ألوانها وأشكالها، التي يحملها الكبار والصغار، وشاهد المسحراتي يجوب الشوارع ليلاً، والتفافهم حول حكايات شعراء الربابة والمنشدين في الأماسي الرمضانية، وكذلك تعرض لوصف حلقات الذكر المختلفة. ومن المساجد المشهورة في لوحات المستشرقين مسجد السلطان فرج بن برقوق، مسجد أحمد بن طولون، جامع السلطان حسن، مسجد السلطان قلاوون، مسجد المؤيد في مصر.. مع ما تم رصده من لوحات كبار الفنانين في فلسطين والشام، وفي طليعتهم وليم هنري بارتليت (1809- 1854)، ووليام جيمس مولر (1812- 1845)، وديفيد روبرتس (1796- 1864)، إلى جانب فنانين فرنسيين من أمثال ساباتييه وأوجين سيسيري وجاكوتيه. واحتلت فلسطين المساحة الكبرى من حيث عدد اللوحات، التي سبروا فيها أغوار الأراضي المقدسة وآثار القدس وبيت لحم والناصرة وأريحا وبيت جبرين. وتبرز من بينها مطبوعة للرسام براوت S.Prout مأخوذة من مخطوط كاثروود في العام 1835، ويظهر فيها محراب المسجد العمري وهو من أعرق مساجد القدس.