فجأة ومن دون مقدمات انتحر الممثل والمؤدي والمشخِّص الكوميدي المعروف «روبن وليامس»، الذي أضحك ملايين الناس عبر الشاشة وشخصياً بشكل مباشر، وتواصل معهم وأسعدهم بأسلوبه الفكاهي المميَّز وطريقة طرحه المغايرة للمشاكل والاشكالات والهواجس اليومية منها والمزمنة، حيث نال شهرة واسعة تخطَّتْ حدود القارة الأمريكية إلى جميع أنحاء العالم، وحصل على الأموال الطائلة وأنشأ عائلة سعيدة ورزق بأولاد، وكان يردّد باستمرارٍ أن الحياة رائعة بكل ما فيها وأنها أجمل عطايا الوجود، وأنه من المحظوظين النادرين، فقد حقَّق أحلامه وكل ما كان يَتمنّاه ويصبو إليه. على الرغم من كل تلك النجاحات والإنجازات ودفق رغد العيش والرفاهية، فقد وَضَعَ حداً قاسيا لمسار حياته عن طريق الانتحار! ولم يعطِ ناشر الفرح هذا أي أهمية للحزن الذي سيتركه في نفوس أفراد عائلته ومحبيه. لقد طَرَحَ هذا الفنان الناجح بكل المقاييس مسألة انتحاره على بساط من جمر يلتهب بآلاف الأسئلة والتساؤلات حول ماهية ومدى قيمة الوجود، والهدف من «الحياة»، وماذا يرغب الإِنسان منها، وماذا يريد ويتوق إليه؟ والى أين يحاول أن يصل؟ وهل هناك من حدود لطموح الإِنسان؟ ثم ما هي الجدوى من القول المأثور: القناعة كنز لا يفنى! أو: ربنا أعطنا خبزنا كفاة أو كفاف يومنا. وبماذا نتوجَّه إلى الشعوب والجماعات التي تعاني من الفقر وتجتاحها المجاعة طالبةً فقط ما يسدّ رمق أطفالها للاستمرار في العيش ومقاومة الموت والفناء؟ وهل يتساوى المنتحر من تخمة الرفاهية مع المنتحر بسبب ضيق ذات اليد ومن الفقر المدقع؟ وهل تُرفض الحياة ويُوضع حدٌّ لها لسببين متناقضين؟ وكيف يموت «الأمل» في ذروة النجاح؟ وتنعدم الرغبة في الحياة عندما تبتسم لنا؟ من المعروف أن من يسلكون دروب الانتحار لأسباب مرضية أو اقتصادية أو اجتماعية... هم الذين ضاقت بهم سبل العيش والاستمرار، وأصبحوا أمام حائط مسدود من اليأس والإحباط وانعدام الحلول وفقدان الأمل نهائياً بأي نوع من أنواع الفَرَج، أو أي شكل من أشكال أو صِيَغ الانفراج وفقدان الصبر على تبدّل أو تغيُّر نحو الأفضل أو حتى الأخف سوءاً! لقد قيل الكثير عن انتحار هذا الفنان، وكُتِب الكثير، وتمحور الكلام حول أن سبب الانتحار كان جرّاء اصابته بحالة اكتئاب شديدة. الغريب هنا، كيف أن من امتلك موهبة زرع البسمات على الشفاه، ونشر الغبطة في القلوب، وإضحاك حناجر الناس على اختلاف أمزجتهم وأجناسهم وثقافاتهم، أن يرفض الحياة وتخطفه الكآبة؟ ويهرع بملء إرادته وعن سابق تصوُّر وتصميم على إنهاء حياته بالانتحار! إلى ماذا كان يطمح أكثر مما وصل إليه؟ دائماً ما تطوف ببالي وتجول، بعض الأفكار الغرائبية وتتملّكني الحيرة كيف أننا نولد ونأتي إلى هذا العالم من دون إرادتنا، فهل لنا الحق بأن نغادر الحياة بإرادتنا؟ فحتى الذين يدافعون عن الوطن ويُستشهدون فإنهم يحبون الحياة وموتهم هو دفاع عنها وفي سبيلها، وهم لم يذهبوا إلى المعركة لوضع حدّ لحيواتهم، أو لينتحروا، بل ليجعلوا الحياة أكثر سعادة. - د. غازي قهوجي