قبل 3 سنوات أو أكثر من الآن اقدم شخص، كان قد دخل للعلاج في مستشفى الأمل ليلا، وهو المريض الوحيد الذي كان يعالج وانتحر فعلا. وهذا المريض كان مصابا بحالة اكتئاب شديدة، ودخل المستشفى ليلاً، استيقظ قبل صلاة الفجر بساعة أو ساعتين وشنق نفسه، وعندما جاءوا إليه عند صلاة الفجر لإيقاظه وجدوه قد انتحر، حيث ربط نفسه في السرير وشنق نفسه وانتحر. وفي حادثة أخرى هدد مدمن على تعاطي الكحول بالانتحار، وأكمل فترة العلاج لدى مستشفى الأمل، واعتقد المعالجون أنه تعافى من تعاطي الكحول، وخرج من المستشفى، وغاب فترة طويلة، وكان مصاباً أيضا بصمامات القلب ويشرب الخمر، ويسبب لأهله المشاكل الكثيرة عندما يشرب، لأن المجتمع يرفضه، وبعد فترة انتكس، وعاد لتعاطي الخمور، فرفضه الناس، وازدادت حدة المشاكل بينه وبين أسرته، ودخل المطبخ وحاول الانتحار بقطع شريان ذراعه، ولكنه لم يمت بل دخل المستشفى، ومكث فيه فترة ثم عاد إلى مستشفى الأمل ليكمل علاجه. هاتان قصتان واقعيتان حدثتا في مستشفى الأمل للصحة النفسية بالدمام، وفي حديث مع الاخصائي النفسي بالمستشفى حول الانتحار والمنتحرين. وأيهما ينتحر اكثر النساء أم الرجال، وأيهما يهدد وينفذ الانتحار، أيهما لا ينفذ، ولماذا؟.. كلها أسئلة وجهناها وغيرها للاخصائي النفسي بمستشفى الأمل للصحة النفسية بالدمام حسين القحطاني ، الذي أشار في البدء إلى أن أصل كلمة الانتحار رومانية، ويعرف الانتحار بأنه قتل النفس. ويشير إلى أن الانتحار يقوم به الرجال أكثر مما تنفذه النساء، لأن الموت في نظر المنتحرين هو الحل الوحيد لتخفيف الآلام التي يعانونها، وهو يحدث لدى النساء والرجال في فترتين من العمر، الأولى من عمر 14 سنة إلى 24 سنة، وهي أكثر مرحلة عمرية تتم فيها عملية الانتحار، بسبب التغيرات الفسيولوجية والفيزيقية التي تحدث في فترة المراهقة، أما الفترة الثانية التي تزداد فيها نسبة المنتحرين فهي ما بعد سن 55 سنة، وهم الذين يصلون إلى مرحلة اليأس. فعلي.. وعلى فترات ويتابع الاخصائي النفسي حسين القحطاني حديثه حول الانتحار مشيرا إلى أن هناك قسمين من الانتحار، الأول يطلق عليه الانتحار الفعلي، وهو الذي ينفذه المنتحر، فيزهق روحه ويفارق الحياة. أما الثاني فهو الانتحار الذي يتم على فترات، مثل مريض السكر، الذي ينصحه طبيبه المعالج بعدم أكل الحلويات والسكريات، بينما هو يصر على تناولها، وكذلك مريض الضغط الذي يطالبه طبيبه بعدم تناول الموالح، فيأكلها ويستمر في أكلها، لأنه يصر على أن الحياة واحدة والموت واحد، والموت سيأتيه سواء أكل الموالح والسكريات أو تخلى عن أكلها. وهؤلاء يعدون قاتلين لأنفسهم بالانتحار الذي يتم على فترات، لكنهم أهملوا نصائح الأطباء في العلاج، وهو يفعل ذلك وهو راض وساع لقتل نفسه. مرضى نفسيون وأشار القحطاني إلى أن نسبة الانتحار لدى المرضى الذين يصابون بفيروس الإيدز عالية، رغم كون المرض حديثا نسبياً، والمنتحرون بصفة عامة هم مصابون بأمراض نفسية، ولا يوجد أي فرد انتحر بدون سبب أو من تلقاء نفسه، ولكن لابد أن يكون هذا المنتحر يعاني أمراضا نفسية. وأكثر الأمراض النفسية التي تؤدي إلى الانتحار هو مرض الاكتئاب الشديد، فعندما يصل المريض إلى درجة من الاكتئاب الشديد فانه يلجأ إلى الانتحار، كما يلجأ مريض فصام الشخصية أو الهوس إلى الانتحار. وهذه الأمراض الثلاثة إذا ما أصيب بها الإنسان فإنه يلجأ بعدها إلى الانتحار، أو التهديد به، والاكتئاب هو أعلى درجة من بين هذه الأمراض توصل الشخص إلى الانتحار، لأن الشخص الذي تصل لديه درجة الاكتئاب إلى أعلى مستوى يبدأ يهدد بالانتحار، ولو أن رجلا قال انه سوف ينتحر فلابد ان نأخذ ما قاله من كلام على محمل الجد وبعين الاعتبار، ونهتم بالموضوع، ويجب أن تجرى له اختبارات نفسية واختبارات احتمالية الانتحار، ويقوم باجرائها الاخصائي النفسي. وعندما يلجأ المنتحر إلى الانتحار لابد أن يدخل المستشفى وينوم، ويكون تحت الملاحظة. النساء يهددن ولا ينفذن ويؤكد الاخصائي القحطاني ان النساء يهددن بالانتحار، ولكنهن لا ينفذن الانتحار، وإن نسبة المنتحرين من الرجال أكبر من نسبة المنتحرات من النساء، لكن عنف النساء في الانتحار أصعب من عنف الرجال في الانتحار، إذ طريقة الانتحار تكون أعنف لدى النساء منها لدى الرجال المنتحرون، فالنساء يلجأن إلى طرق جديدة للانتحار، بحيث يلجأن إلى شرب السم، أو تناول كميات كبيرة من الأدوية، وهذه تسمى تجربة الانتحار، وهن في الحقيقة لا يردن أن ينتحرن، ولكنهن عندما ينوين الانتحار فإنهن ينتحرن فعلا، أما الرجال في العادة فإنهم ينتحرون بقتل أنفسهم بالسكاكين، أو بالمسدسات، أو أنهم يشنقون أنفسهم، أو يرمون بها من فوق احد الكباري. العزاب ينتحرون أكثر كما أنه أشار إلى أن نسبة الانتحار لدى العزاب أكثر من المتزوجين، مهما بلغت حدة المشاكل الأسرية التي يعانونها وحتى لو كانوا تعساء وغير سعيدين وغير مستقرين في حياتهم الزوجية، نظرا لكونهم يأنسون بزوجاتهم وبأزواجهن، ولكن العزاب يفتقدون الونيس، ولذلك تكثر بينهم نسب الانتحار، كما أن الانتحار لدى المهاجرين والمغتربين عن بلدانهم ومدنهم بغرض العمل تزداد، كما تزداد نسبة الانتحار في دولة السويد، إذ نجد أن 25 شخصاً ينتحرون من كل 100 ألف شخص. ويحدث هذا الانتحار بهذه النسبة العالية جدا في شمال العالم بصفة عامة، كما في شمال أوروبا والقطب الشمالي، لأن الشمس لا تشرق إلا قليلا، ففي الشهر تشرق مرة واحدة، فيصابون بنوع من الاكتئاب، نتيجة فقدانهم الضوء المنبعث من الشمس، ونتيجة لذلك يلجأون إلى الانتحار، كما أن هناك 30 ألف شخص أقدموا على الانتحار في أمريكا في السنة الماضية. ولكن في مجتمعنا السعودي تقل نسبة الانتحار بشكل كبير مقارنة بالسويدوأمريكا وغيرها من دول العالم، نتيجة تمسكنا بالدين الإسلامي، والصلة القوية بيننا وبين خالقنا، ولكن قد يحدث الانتحار في بعض الحالات نتيجة الابتعاد عن تعاليم الدين الإسلامي، وعدم وجود صلة أو رابطة وطيدة بين الخالق والمخلوق، فانه يصاب بأشد درجات الاكتئاب، الذي يوصل الإنسان للرغبة في التخلص من الروح وإزهاقها بالانتحار. وعندما نرى شخصا مشرعا في الانتحار أو يهدد به فإننا نذكره بدينه وعقابه في الدارين، وأن الموت لا يمنع عنه عقاب الآخرة، بل يجعله يعيش فيه، فينتهي عن قتل نفسه. ولكن في الدول الغربية التي يكون فيها الإنسان بعيدا عن خالقة، وليس له دين فإن المعالجين النفسيين يحاولون علاجه ونهيه عن الانتحار، ولكن علاجهم له لا ينجح، فنجد ان نسبة المنتحرين تزداد، بسبب فقدانهم الصلة الروحية بخالقهم. أما نحن المسلمين فنلجأ لعلاج مرضانا بالقرآن الكريم، لأن القرآن هو دواء لكل داء. لا تهمل من يفكر في الانتحار وعن كيفية البدء في معالجة المهدد بالانتحار في المستشفى، يقول: عندما نجد المريض يتفوه بكلمة تشير إلى الانتحار، أو يقول (أنا أفكر أو فكرت في قتل نفسي) نبدأ بالحديث التدريجي معه، حتى نكسب وده، ثم نطبق عليه اختبار احتمالية الانتحار، وإذا كانت النسبة لديه عالية يوضع تحت الملاحظة، حتى لو كانت النسبة 1% من احتمالية تنفيذه للتهديد يجب أن يوضع تحت الملاحظة والمراقبة، ولابد أن يتابع من الناحية التمريضية، ثم نعيد تطبيق الاختبار عليه مرة أخرى بعد المراقبة والملاحظة، فلابد أن يصل إلى الصفر، وعندما نجلس معه مرة أخرى يجب أن يكون قد عاد لحب الحياة مرة ثانية. وعندما تخف وطأة حالة الاكتئاب، عندها نخفف عليه المراقبة. وفي حالة ما إذا استمرت الحالة لديه، ولم يقل الاكتئاب، نصرف له أدوية، وهذا يحدث مع أعلى درجات الاكتئاب المفضي إلى الانتحار. الوراثة والاختلال ويؤكد الاخصائي القحطاني أن الوراثة سبب من أسباب إقدام الشخص على الانتحار، لأن الأب المنتحر، الذي يعاني أمراضا نفسية أصلاً، يمكن لأحد أبنائه أن يقدم على الانتحار، لأن الأمراض النفسية الوراثية تؤدي إلى الانتحار. ويشير القحطاني إلى أن الدراسات والنظريات العلمية أثبتت أن الانتحار يحدث نتيجة لاختلال كيميائي في المخ. فالمريض المصاب بالهوس لا يرغب في الانتحار، ولكنه يفعل شيئا كأنه يريد به الانتحار، فينتحر بالخطأ عن غير قصد، فالمريض المصاب بالهوس يهدد أيضا برمي نفسه من الشرفة إذا لم تعط له النقود، فلا أحد يريد أن يقتل نفسه، ولكن قد يفضي التهديد بالانتحار إلى أن يحدث الانتحار بالخطأ، لا عن نية الخلاص من النفس، ولابد أن يسبق الرغبة في الانتحار اضطراب نفسي معين، كما أشرت آنفا مثل الهوس أو الاكتئاب أو الفصام. الالتزام بالدين ويختتم الاخصائي النفسي بمستشفى الأمل للصحة النفسية بالدمام حسين القحطاني حديثه حول الانتحار بإسداء نصائح للشاب الذي قد يقدم على الانتحار، نتيجة فقدانه الأمل في الحياة، أو ابتعاده عن شريعة وتعاليم السماء، التي ينتج عنها حالة اليأس، وانعدام الثقة بالله وبالنفس، بضرورة الالتزام بالدين، لأنه أساس كل شيء، وعليه الحفاظ على صلواته، وكل ما يطلبه الدين منه، ويحافظ على نفسه من الإصابة بالأمراض النفسية، التي تصل به إلى درجة الانتحار.. مشيرا إلى أن نسبة الانتحار في المملكة ضئيلة جدا مقارنة بشمال العالم.