في التغييرات الأخيرة التي شهدتها المملكة على مستوى المناصب القيادية في الدولة، هناك أمران لافتان، يجب التوقف طويلا عندهما، الأمر الأول الذي ظهر سريعاً في قرارات خادم الحرمين الشريفين منذ التغييرات الواسعة الأولى، التي ضمت عدداً كبيراً من الوزراء الشباب، والذين دخلوا لأول مرة في مجلس الوزراء، في مبادرة مهمة من الملك سلمان لضخ الدماء الشابة في بلاد تبلغ فيها نسبة الشباب نحو 70% من عدد السكان، مما يعني أن تمثيل هؤلاء في المجلسين، الوزراء والشورى، هو أمر مهم ومؤثر على مبادرات الدولة وتحسين أدائها في سبيل رفاهية المواطن وتحقيق آماله. لكن تلك التغييرات لم تكن سوى خطوة أولى ومهمة في طريق بناء دولة شابة وقوية وفاعلة، لتأتي الأوامر الأخيرة وتضع النقاط على الحروف، ويصعد المحمدان، محمد بن نايف ومحمد بن سلمان إلى منصبي ولي العهد، وولي ولي العهد، في خطوة تعد الأهم في تاريخ الدولة، وتؤكد الانتقال السلس والحكيم في انتقال الحكم من الأبناء إلى الأحفاد، باتفاق غالبية أعضاء هيئة البيعة، التي أسسها الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز يرحمه الله، في العشرين من أكتوبر 2006م، والتي تمثل نقلة نوعية مهمة في التاريخ الحديث للدولة السعودية، وضمانة مهمة لانتقال الحكم بسلاسة واستقرار. فحضور هؤلاء الشباب بما يمتلكون من طاقة ووعي وخبرة وعزيمة، هو ما سينقل المملكة - بإذن الله - إلى مرحلة جديدة ومتطورة من النمو والازدهار، والثقل الإقليمي والعالمي، على كافة المستويات، بالذات على المستويين السياسي والاقتصادي. ولعل الأمر الآخر الذي يلفت انتباه المشاهد في الداخل والخارج، هو هذا الاحترام المتبادل بين الإخوة وأبناء العمومة من الأسرة الحاكمة، وتجلى ذلك في مشاهد مختلفة من مبايعة ولي العهد، وولي ولي العهد، فالجميع شاهد وعلق على مشهد مبايعة وزير الحرس الوطني الأمير متعب بن عبدالله، لولي ولي العهد، وكيف أن هذا الأخير انحنى بتواضع واحترام لتقبيل يد ابن عمه الأكبر سناً منه، بشكل يثير الإعجاب، ويوقف جميع الادعاءات التي تتحدث عن وجود خلافات، بل حتى ولي العهد السابق الأمير مقرن بن عبدالعزيز، الأمير الشهم النبيل، كان أحد أهم المبايعين لأبناء الإخوة، الذين باركوا هذه الخطوة المهمة في الانتقال بسلاسة وهدوء إلى مرحلة حكم الأحفاد. هؤلاء، الذين جاؤوا من بيت المؤسس الملك عبدالعزيز، وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين، كرسوا هذا النمط المذهل من الاحترام المتبادل، الذي يبديه الأصغر سناً إلى الأكبر، حتى أصبح تقليداً رسمياً لا يحيد عنه أحد، مما يعني أن هذه البلاد محفوظة باسم الله سبحانه أولاً، وثانياً بحكمة هذه الأسرة، التي تمنحها مزيداً من الهدوء والأمان والاستقرار.