المملكة العربية السعودية علمت واستشعرت أنها مقبلة على اشتباك لتكسير العظام وفرض عضلات تدير رحاها قوى جارة وإقليمية ودولية، وصراع طويل لا تمليه فقط المصالح الاقتصادية، بل باتت تحركه النزعات الدينية المذهبية والقومية، فوعت دروس الماضي البعيد والقريب جيداً وجعلت لنفسها سياسة النفس الطويل بديلاً لردات فعلها، بدلاً من المواقف الآنية الانفعالية، التي تُكسب الخصم وتزيده قوة بدلاً من إضعافه. فتخلت عن الخيار العسكري التقليدي المعمول به والمتمثل بدعم الجماعات المعارضة والمليشيات المسلحة كما فعلت إيران وروسيا في سوريا وأوكرانيا مثلاً، واتبعت نهج الحرب الاقتصادية، التي تلوي الأذرع دون كسرها, وخفض أسعار النفط كان أنجحها وأقلها خسارة وأكثرها جدوى. فأثبتت من خلالها أنها قادرة على إحداث الفرق ليس عبر الدخول مباشرة في النزاعات وإنما عبر الضغط على الدول التي تؤججها، وبذلك أطرت الدبلوماسية الباردة والهادئة بدون رعونة، وبرأيي إنها ستنجح فيه بالضغط على من يشكل تهديداً لمصالحها الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية كروسيا وإيران مثلاً، واللتان يعتمد اقتصادهما بشكل كبير على إنتاجهما من النفط، وخصوصاً طهران المتضرر الأكبر بانخفاض أسعار الذهب الأسود، الذي يشكل العنصر الأكبر لميزانيتها العامة، والتي سيحدث العجز بها انعكاساً سلبياً على الداخل الإيراني المشبع بالهموم والهش، في ظل سياسة حكومته الخارجية المشتتة ما بين مفاوضات برنامجها النووي، وتدخلها السافر في العراق وتأجيجها لنار الطائفية في البحرين ولبنان وأخيراً في اليمن عبر ميليشيات الحوثي الانقلابية التي قفزت على السلطة واحتلت المدن ونشرت فيها شعارات «الموت لإسرائيل وأمريكا»، فيما تتفاوض معها بالسر وتحمي سفارتها ورعاياها ومصالحها! لا تعد السياسة فقط فن إدارة النزاعات, ولكنها أيضاً تمثل الكيفية بالخروج منها منتصراً دون أن تخسر الآخرين بمقدار احتوائهم وثنيهم عن ما يضرك وإيصال رسالتك وفكرتك والعمل بمفهومها دون أن تخسر قطرة دمٍ واحدة!