عندما يجتمع الخمسة الكبار في مجلس الأمن (الولاياتالمتحدةوروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا) اضافة إلى ألمانيا في بغداد اليوم مع إيران حول برنامجها النووي سيكون هناك الكثير على المحك ليس فقط بالنسبة لإيران وإنما أيضاً للرئيس باراك أوباما. الحملة الانتخابية الأمريكية أصبحت تحكم كل شيء في واشنطن وكل خطوة يقوم بها الرئيس الأمريكي ستكون حاسمة لحظوظه في الفوز بدورة رئاسية ثانية. ان اجتماع بغداد سيكون أيضاً مؤشراً هاماً على مدى نجاح سياسته تجاه إيران وبرنامجها النووي ومدى نجاحه في الحصول على «خطوات ملموسة» من إيران في مجال الملف النووي. إذاً هناك الكثير من الآمال معلقة على اجتماع اليوم في بغداد ولكن هناك الكثير من الحذر والقليل من التفاؤل بامكانية خروجه بنتائج حاسمة وكبيرة في مسألة برنامج إيران النووي. وواشنطن تحاول تخفيف التوقعات لكي تستطيع الترحيب بأية خطوة ايجابية تقوم بها إيران علي أنها اختراق كبير. هناك من يعتقد هنا ان إيران ربما تقدم شيئاً ايجابياً في الاجتماع لكي تؤجل المسألة واحتمال ضربة عسكرية ضدها إلى ما بعد الانتخابات الأمريكية. ويرى هؤلاء ان للرئيس أوباما أيضاً مصلحة في تأجيل موضوع برنامج إيران النووي حتى ما بعد الانتخابات لكي يضمن فوزه بالانتخابات دون مفاجآت. أما إيران، يشير هؤلاء فلم تكن لتستقبل المدير العام لمدير وكالة الطاقة الذرية النووية لو أنها لا تنوي تقديم أية تنازلات. كما أن عقدها للاجتماع في بغداد حيث حلفائها يجعلها أيضاً تريد نجاحاً للاجتماع يتم توظيفه أيضاً لصالح العراق ورئيس وزرائه المقرب من القيادة الايرانية. فإيران لن تحرج بغداد بفشل ذريع. لكن الصحيح أيضاً هو أن طهران لا تستطيع التنازل كثيراً في ملف حيوي لها مثل الملف النووي في وقت تزداد الخلافات الداخلية الايرانية في شأن هذا الملف لكن ازدياد تأثير العقوبات الاقتصادية الكبير على الاقتصاد الايراني وازدياد عزلة إيران يعتبران من أهم العوامل التي ستدفع طهران لتقديم تنازلات. من هنا يؤمن كثيرون في واشنطن بأن زيادة الضغط على إيران يمكن ان يؤدي إلى تعامل إيران مع ملف المفاوضات النووية بجدية وليونة أكثر. ويزداد الأمل في واشنطن في أن يتم تحقيق تقدم في اجتماع بغداد يوظفه الرئيس الأمريكي في حملته الانتخابية ولكن الأهم انه يبعد كأس الضربة العسكرية قليلاً عنه فلا يتورط في حرب جديدة بينما يقوم بكل ما بوسعه لانهاء حروب أمريكا الخارجية. ويمكن وضع تصويت مجلس الشيوخ مساء الاثنين على مشروع قانون يفرض عقوبات شديدة جديدة على إيران تستهدف قطاعي النفط والبنوك وقطاعات أخرى. وكان التصديق على القانون تأخر بسبب خلافات بين الجمهوريين والديموقراطيين حول تضمين نص المشروع التهديد باستخدام القوة. ووافق الشيوخ على لغة اضافية تحذر من استخدام القوة واعتباره «أحد الخيارات» المتوفرة للولايات المتحدة إذا سعت إيران لبناء أسلحة نووية. كما أن تصريح السفير الأمريكي إلى إسرائيل دان شابيرو الذي أعلن فيه ان الخيار العسكري «جاهز» إذا فشلت الدبلوماسية والعقوبات يأتي في اطار الضغوط على إيران ايضاً. غموض طهران يضع أوباما بين «مطرقة» الانتخابات الرئاسية و«سندان» الموقف الأوروبي ولكن الرسالة الأقوى وصلت إلى إيران من قمة الدول الثماني الذين اجتمعوا في كمب ديفيد في نهاية الأسبوع المنصرم وحددوا في بيانهم ما هو مطلوب من إيران. وكان القادة قد أرسلوا إشارة هامة إلى إيران حينها دعوا الوكالة العالمية للطاقة لاتخاذ الخطوات المناسبة لضمان استعدادها لاستخدام مخزون النفط المخصص للحالات الطارئة هذا الصيف إذا تهددت امدادات النفط بسبب العقوبات النفطية المقبلة على إيران في الأول من تموز. وكانت الرسالة السياسية واضحة إلى إيران في «إعلان كمب ديفيد» حيث أعلن قادة الدول الثماني بمن فيهم روسيا عن «قلقهم البالغ» حول برنامج إيران النووي ودعا القادة إيران إلى الالتزام بجميع قرارات الأممالمتحدة ذات الصلة، وبالمتطلبات التي تمليها وكالة الطاقة الذرية الدولية والاستمرار بالتزاماتها تجاه معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية (NPT). والأهم من ذلك طالب القادة إيران ان «تتعامل بدون تأخير مع جميع القضايا العالقة والمتصلة ببرنامجها النووي بما فيه الأسئلة المتعلقة بإمكانية أبعاده العسكرية. وأكد قادة الدول الثماني على رغبتهم بحل سلمي عبر المفاوضات لبرنامج إيران النووي والتزامهم بالمسار الثنائي للمفاوضات. ورحبوا بالمفاوضات التي ستبدأ اليوم في بغداد ودعوا إيران إلى اغتنام فرصة هذا اللقاء لعقد محادثات مفصلة حول «خطوات ملموسة» في المدى القريب يكون من شأنها، عبر مسار الخطوة خطوة وعلى أساس التبادل أن تقود إلى حل شامل عبر المفاوضات من شأنه ان يعيد الثقة الدولية بأن برنامج إيران النووي هو سلمي حصرياً. كما أن زيارة المدير العام لوكالة الطاقة الذرية الدولية إلى طهران زاد من التفاؤل بإمكانية التوصل إلى نتائج ايجابية في بغداد. لكن المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيكتوريا نولاند رفضت وصف زيارته بالايجابية قبل نهاية الزيارة والاطلاع على نتائجها. واشنطن حذرة وبعد خبرة طويلة مع إيران في ملف المفاوضات هناك تخوف من أن تستخدم ايران المفاوضات هذه لشراء الوقت بينما تستكمل تخصيب اليورانيوم وتضع العالم أمام واقع لا يمكنه الهروب منه أو العيش معه. ويبدو أن واشنطن تتبع مع إيران مقولتها الشهيرة في التعامل مع الاتحاد السوفياتي: «تحقق أولاً ومن ثم ثق». الثقة المعدومة في واشنطن بنوايا إيران بدت واضحة في مؤتمر عقد الأسبوع الماضي حول اجتماع بغداد وماذا يمكن التوقع منه. كان البعض في المؤتمر يشكك حتى في جدية إيران في الدخول بمحادثات وتساءل أحد المتحدثين «الآن نجتمع مع الإيرانيين في بغداد، فهل نجتمع معهم في دمشق في المرة المقبلة أو في قندهار؟». ولكن البعض الآخر رأى ان إيران تقرأ الوضع الدولي والاقليمي وتعلم أن الوقت ليس في مصلحتها في ظل عقوبات قاسية مفروضة عليها وأخرى ستفرض عليها قريباً. فإيران حسب السفير دنيس روس الذي تحدث في مؤتمر بايبرتزن بوليسي فورام تعرف بالتحول الحاصل في ميزان القوى في المنطقة. الجمهوريون يلومون سياسة الرئيس أوباما اللينة حسب رأيهم ويرون ان هذه السياسة تزيد إيران تصلباً لأنها متأكدة انه ليس هناك تبعات لموقفها هذا. المرشح الجمهوري ميت رومني يستخدم الملف الايراني لمهاجمة الرئيس أوباما وسياسته تجاه برنامج إيران النووي. لكن سفير الولاياتالمتحدة السابق إلى حلف الناتو نيكولاس بيرنز رأى انه ليس هناك خرق بين سياسة الرئيس أوباما وسياسة رومني حول هذه المسألة والأمل ان يعطي الجمهوريون الرئيس الفرصة والوقت لمتابعة حل هذه المسألة. ويرى بيرنزو العديد من المسؤولين الأمريكيين انه يجب خلق عملية مستمرة تقوم بمعالجة هذه المسألة. يقول بيرنز انه من غير المعقول ان تتم معالجة هذا الملف في اجتماعين لا يمكن القول ان الاجتماع فشل إذا لم نحل المسألة في اجتماع واحد في 23 ايار (مايو) الرئيس يحتاج إلى الوقت والفسحة اللازمة لاحراز التقدم. وأضاف: البعض سيقول بعد اجتماع 23 مايو لقد فشل الرئيس يجب ان نتحلى بالصبر وبالرؤية الاستراتيجية. ويعتقد بيرنز ان ضربة عسكرية اسرائيلية مبكرة هي أمر غير حكيم. أما إذا حصلت الضربة العسكرية فيجب ان تكون بقيادة الولاياتالمتحدة. واتفق معه آخرون في المؤتمر على ضرورة ان تتم تحت قيادة الولاياتالمتحدة. كان واضحاً في واشنطن ان الأمريكيين لا يريدون ان تفاجئ إسرائيل الرئيس الأمريكي وادارته وتورطه في حرب مع إيران خصوصاً قبل الانتخابات الأمريكية، فبيرنز استبعد مثلاً ان يتم استخدام القوة عام 2012 بينما سنة 2013 هي السنة التي سيتم خلالها التفكير باستخدام الخيار العسكري. وفي إشارة إلى طمأنة إسرائيل أكد نائب الرئيس الأمريكي جوبايدن في مقابلات عديدة في الاسبوعين الأخيرين ان الولاياتالمتحدة ليست لديها سياسة «احتواء» تجاه برنامج إيران النووي. وأكد «سوف نمنع إيران من الحصول على أسلحة نووية بأي وسيلة ضرورية نقطة على السطر». لكن المقلق في هذا النقاش الدائر في واشنطن هو أن المتابعين لهذا الملف من خبراء ومسؤولين يعتقدون ان روسيا تملك مفتاح الحل. السفير روس اعتبر ان روسيا هي «المفتاح، روسيا اليوم تعتبر حامية النظام السوري وإذا تشكل انطباع أنهم يحمون الايرانيين أيضاً سيؤثر ذلك على مصالحهم في المنطقة لفترة طويلة. السفير بيرنز اتفق معه ان روسيا هي الدولة الأساسية كمفتاح للحل هنا وان روسيا لا تريد ان ترى إيران دولة نووية، وآمل ان يعمل الرئيس أوباما مع الرئيس بوتين على هذه المسألة. هناك ثلاث مشاكل في هذه النظرية: أولاً: لا يبدو أن الرئيس بوتين على عجلة للعمل مع الرئيس أوباما وقادة الدول الغربية على هذه المسائل حتى الآن على الأقل والدليل انه قرر البقاء في موسكو وأرسل رئيس وزرائه لحضور قمة الدول الثماني في كمب ديفيد. ثانياً: روسيا لا تزال مقتنعة بأن الغرب وعلى رأسه الولاياتالمتحدة ينوي ضرب إيران بالرغم من المفاوضات معها.. فنائب وزير الخارجية الروسي وهو في طريق عودته في الطائرة إلى موسكو من كمب ديفيد قال للصحافيين: ان هذا واحد من الاشارات العديدة التي تأتي من مصادر متعددة وهو أن الخيار العسكري يعتبر أمراً واقعياً وممكناً. اننا نستلم اشارات من خلال قنوات عامة واستخباراتية، تشير إلى ان هذا الخيار تتم مراجعته في بعض العواصم على انه يمكن تطبيقه في هذا الوضع. وأعرب نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف عن قلق روسيا إزاء ذلك. ثالثاً: ان روسيا بعد سنة ونصف السنة تقريباً على الأزمة السورية ومقتل حوالي 12 ألف سوري على يد النظام لم تغير موقفها ولازالت تدعم النظام السوري. كما باءت جميع محاولات الادارة الأمريكية لتغيير الموقف الروسي بالفشل وهو ما يؤشر إلى امكانية مستقبل شبيه فيما خص المسألة النووية الايرانية. سألت المشاركين في المؤتمر لماذا تعتقدون ان روسيا سوف تتعاون في الموضوع النووي الايراني بينما ترفض حتى الآن تغيير موقفها من النظام السوري؟ كان الجواب هو لأن لروسيا مصالح في سوريا ولأن روسيا لا تريد إيران نووية. هل هذا يعني انه ليس لروسيا مصالح في إيران؟ وهل ستكون سوريا الثمن الذي سيقدمه الغرب لروسيا مقابل التعاون في الملف النووي الإيراني؟ مسكين الشعب السوري ان آلامه طويلة حتى ولو لم يكن هذا صحيحاً.