من إحدى شرفات سماقة بيته وتراميه رأى (وجوه) من شتمهم، و(سحن) من أذلهم بالأمس. ترك الوجوه إلى الشرفة الأخرى ليرى (هياكل) من أكل لحمهم، ومن الأخرى رأى (أيدي) من شيدوا له هه البناء وهي تلوح له بطلب قبض حقوقهم. كان همه أن يداري الزمان كل شيء لكنه الآن وأمام كل شرفة يفتحها تطل وجوههم الفائضة بالنقمة. جراء ذعره النامي تخلقت له وجوه لا تأبه بذلها الذي داومته منذ أزمان بعيدة. رأى وهو يهبط شرفاته بقايا عظام أيديهم تحفر الأرض، فيما بدأ لذهوله أنهم يعدون لموته قدر من النقمة المتفشية. مذاق أثير اهبط، واستقر على سفح هذا الكثيب. سترى أن للقهوة سحرها الآسر هنا، لكن على الطرف الآخر ستبصر الفلاة وقد أضحت لا تعرف مذاق الأشياء. ليس بوسعها إلا أن تعاند الريح الذي يعوي، وليس بمقدورك بعد أن ترتشف مرارة القهوة إلا أن تشحذ خنجر الرحيل إمعاناً في نزوح أكبر. سهر الليل سهر الليل لا يجدي، وجيبه حزين للمطرق المتأمل، وصحو النهار رتيب يشق على القلب عناءه ومكابدته. فساهر الليل هو من يجالد بحرقة الدأب أن يبقى صامداً في وجه وعثاء الطرقة التي لا تحفل إلا بالفقد.