علق رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي السابق ألان جرينسبان على وضع اليونان واليورو عامة بقول واضح وصريح بأن خروج اليونان من منطقة اليورو أمر حتمي، وأضاف بأنه لا يرى صورة واضحة لمستقبل اليورو إذا لم يحدث اندماج سياسي حتى لو كان هناك محاولات لاندماج مالي. وكلامه يأتي عقب فوز المعارضة اليونانية بالانتخابات، وهم الذين يسعون لإلغاء خطط التقشف، ويضعون تحسين أوضاع المواطنين اليونانيين أولوية مقدمة على سداد الدين العام البالغ 240 مليار يورو. فجرينسبان أحد أشهر رؤساء البنك الفيدرالي الأمريكي، الذي تولى المنصب لمدة قاربت 20 عاماً، وكان مشهوراً بتحفظه في عباراته، وليس من السهل وضع فهم واحد لها، لم يكن على المنطق نفسه الذي اشتُهر به عندما أطلق تصريحاته عن وضع اليونان والعملة الأوروبية الموحدة. فهو يرى أن كل ما يقوم به البنك المركزي الأوروبي ودول اليورو حيال اليونان ليس أكثر من تأخير لخروجها الحتمي من العملة الموحدة، ورأى أنهم سيكتشفون ذلك لاحقاً بأن كل محاولاتهم لن تغير من حقيقة أن اليونان لا تستطيع البقاء معهم بالعملة الموحدة. وإذا ما نظرنا لما تعرضه حكومة اليونان الجديدة برئاسة سيبراس من حلول لأزمة ديون دولتهم فمن الواضح أن هناك فجوة كبيرة بين ما يشترطه الأوروبيون وما تضعه حكومة اليونان من خطوط حمراء لا تقبل التفاوض عليها، كإعادة هيكلة الديون، أو شروط الفائض بالميزانية، التي يطالبهم بها الأوروبيون. فحكومة اليونان ترى أن 3 في المئة نسبة فائض تعد مرتفعة، وحددت نصفها كشرط لأي مفاوضات. ومن المنطقي هنا أن نحترم وجهة نظرهم حيال هذه النقطة؛ فالتقشف أضر بالأسر اليونانية كثيراً؛ ولذلك لا يمكن للحكومة أن تنطلق بمشروع اقتصادي يحسن أوضاع الناس المعيشية ويعيد الحيوية لاقتصاد اليونان بخطط تقشف ستؤدي لأضرار اجتماعية واقتصادية كبيرة، لن يعاني منها إلا اليونانيون. فيما يرى الأوروبيون - وعلى رأسهم ألمانيا - أن ما عُرض على اليونان فيه سخاء كبير، ويجب تشديد الشروط عليها. والحقيقة، إن أزمة اليونان، التي قد تتوسع أضرارها لتطول كل أوروبا، وتعيد شبح الأزمة المالية العالمية للظهور من جديد، لم يتم التعامل معها من الأساس كما يجب، وهذا كان رأي لكثير من المحللين العالميين، إلا أن مرده لنقطة ذات أهمية كبيرة، طرحها جرينسبان في نفس سياق تصريحه الأخير حيال مستقبل اليورو؛ إذ إن السبب كما يتضح أن الخطأ كان بالاتجاه إلى وحدة نقدية قبل أن تتحقق الوحدة السياسية؛ وبالتالي المالية، وتليها النقدية كتطور طبيعي لأي منطقة اقتصادية ضخمة، تضع عملة موحدة لها؛ ما يعني أن مخاوف جرينسبان تعطينا تصوراً بأن اليونان لن تكون آخر الخارجين من اليورو، بل اعتبر أن دول جنوب أوروبا ستلحق بها مستقبلاً؛ ما يقوض بقاء اليورو على قيد الحياة. وأبرز تلك الدول هي إيطاليا؛ فالفجوات كبيرة بين دول اليورو التسع عشرة اقتصادياً، ولا يمكن أن يكون هناك تجانس يخدم اليورو واستقرار الاقتصاد العالمي في ظل هذه التباينات والفجوات الكبيرة بين دول كألمانيا وفرنسا من جهة وإسبانيا وإيطاليا واليونان من جهة أخرى. فالأخيرات يعانين كثيراً من تردي الأوضاع الاقتصادية، وهناك قيود كبيرة عليهم، أوجدها دخولهم بمنطقة اليورو، الذي يخوض أول تجاربه العملية لإثبات مدى صلابته وتحمله للأزمات. ولم يكن فك الارتباط بين الفرنك السويسري واليورو إلا إشارة واضحة بأن مستقبل العملة الأوروبية الموحدة غامض، بل إن وضع بريطانيا لخطة تواجه بها احتمال خروج اليونان من تحت مظلة اليورو، وهي الدولة التي رفضت الانضمام للعملة الموحدة، دليل واضح على أن الأضرار ستكون كبيرة على القطاع المالي، نظراً لتداخل العلاقات التمويلية بين البنوك الأوروبية، واحتمال تبخر الكثير من القروض المقدمة لليونان وقطاعها المالي؛ ما قد يهوي ببنوك أوروبية إلى حافة الإفلاس، الذي ستنتقل آثاره لأسواق المال والنشاط الاقتصادي الضعيف جدًّا بأوروبا؛ ما ينذر بكساد كبير قد يصيب أوروبا. فحجم الناتج الإجمالي لمنطقة اليورو نحو 13 تريليون يورو، وأي كساد أو أزمة مالية تصيبها بحجم كبير ومدة قد تطول يعني ضرراً بالغاً بالاقتصاد العالمي، لن يسلم منه أحد. من الواضح أن أزمة اليونان تدخل آخر فصولها، فإما النجاة لكامل منطقة اليورو بحلول كبيرة، وثمنها مرتفع، وإما القبول بخروج اليونان، لكن التبعات ستكون أكبر ثمناً وضرراً؛ ما يستدعي أن يأخذ العالم حذره لقادم الأيام، وخصوصاً من يتجهون للاستثمار في أوروبا من دول الخليج أو مواطنيها؛ لأن الخسائر ستكون مؤلمة، بل يفترض أن تضع دول الخليج خططاً لأسوأ السيناريوهات المحتملة؛ حتى تتفادى الأضرار الناجمة عنها، وتتحمل تبعاتها المباشرة وغير المباشرة.