«كان يا ما كان...»، الجملة السحريّة التي كانت منذ فجر الإنسانيّة تنقل الأطفال إلى ذلك العالم اللا واقعي. من منّا لم يغفو وهو طفل على قصة عقلة الإصبع أو حكاية سندريلا أو ليلى والذئب أو الأقزام السبعة من منّا عندما اختار أن يقرأ كتابا لم يجد أمامه إلاّ بائعة الكبريت أو ساحر أوز، من منّا لم يعش في عالم أليس في بلاد العجائب.. تمكن الكاتب الفرنسي «شارل بيرو» من تكوين عوالم قابلة للتصديق انطلاقاً من عناصر أولية خيالية وذلك في محاكاة لطبيعة الطفل الذي يصنع أثناء لعبه عوالم خيالية يعيش فيها أو يهرب إليها من واقعه.. وفي ظل تأخر ما يسمى بأدب الطفل في العالم العربي، لم يكن أمامنا وأمام أجدادنا إلاّ أن نستعين بحكايات بيرو الخيالية التي ساهمت فعلاً في خلق عالم أجمل بالرغم أنه قدّ مر على حكاياته ما يقارب ال 312 سنة تقريباً .. لقد اتجه أدبه في خطين متوازيين، الخط الأول هو خط ظاهري يهدف إلى تسلية الطفل وتنمية خياله أما الخط الثاني فهو خط خفي يهدف إلى تلقين الطفل للمبادئ والقيم. ومن في العالم لا يعرف اللحية الزرقاء، أو الجمال النائم، عقلة الإصبع، وسندريلا، والماس والضفادع، أو ليلى والذئب أو بود المضحك، وجلد الحمار أو الأميرة الهارب، وريكي الخصلة، وفي مخزون الكاتب العديد من القصص الخرافية التي أصبحت بنسبة لكثيرين تراثا شعبيا. وقد جمع بيرو هذه القصص في كتابه الشهير حكايات الأوزة الأم. إن القيم الأخلاقية والإنسانية تكاد تكون قيم متفق عليها عالمياً، والدليل نشأتنا كأطفال على القصّة الفرنسية والانجليزية والأمريكية وهذا شيء لايستطيع أحد إنكاره، فالكتّاب أمثال شارل بيرو ساهمو في خلق خيال وتصّورات الطفل العربي. السؤال المهم: هل يدرك الأهل حجم الضرر الذي يسببه امتناعهم عن قصة ما قبل النوم لأطفالهم؟ فالحكاية هي وسيلة رائعة للتقارب بين الأهل بأبنائهم وتأسيس عاطفة خاصة من خلال تخصيص وقت تعليمي ترفيهي مع الطفل، أيضاً هل تعلم حجم الضرر الذي يلحق بعدم توسيع مدارك وخيالات الطفل عند الامتناع عن الحكاية. في دراسة أشرف عليها اختصاصي علم النفس إيريك سيغمان يبرز أن (تدني استماع الأطفال إلى حكايات ما قبل النوم له آثار سلبية، فهذا التقيد يبث في قلب الطفل قدراً كبيراً من الاطمئنان العاطفي, إلى جانب كونه وسيلة هامة لنقل القيم الاجتماعية المشتركة من جيل إلى جيل). ويعلق سيغمان، في هذه الدراسة أهمية بالغة على إدراك الوالدين قيمة سرد الحكايات لأطفالهم لما له من انعكاسات تضمن نوعاً من انعكاسات تتضمن نوماً مريحاً وإحساساً بالأمن العاطفي، ما يدعم جهاز المناعة لدى الأطفال وينظم الهورمونات داخل أجسامهم فينامون بصورة طبيعية. أخيراً.. أظهرت دراسة بإحدى الدول العربية من خلال استطلاع أن 60% من الأطفال لا يستمعون لحكاية قبل النوم، والمرعب أن تكون النسبة لدينا مقاربة أو تفوق هذه النسبة.