بات من الأكيد أن إعلان الحبيب الصيد رئيس الحكومة المكلف عن تشكيلة حكومته الجديدة سيكون في بداية الأسبوع المقبل، أي قبل الموعد المحدد دستورياً بأسبوع كامل بعد أن صارت التركيبة شبه جاهزة لا تنقصها إلا بعض التعديلات الطفيفة طبقاً لرغبات رئيس الدولة الباجي قائد السبسي الذي يُقال بأن الكلمة الفصل تعود إليه بالدرجة الأولى باعتباره الأدرى بالتوازنات الضرورية التي تحتاجها الساحة السياسية. ولئن أصبحنا على قاب قوسين أو أدنى من التعرف على وزراء المرحلة القادمة الذين سيخلفون «تكنوكراط» المهدي جمعة، فإن كل الدلائل تشير إلى أن نداء تونس الفائز بالأغلبية البرلمانية فضّل «الاستعانة» بإطارات كفؤة من الأحزاب الموالية له أي حزب آفاق تونس وحزب الاتحاد الوطني الحر وحزب المبادرة الدستورية المتحالفين معها، ولكن حكومة الحبيب الصيد لن تكون حكومة ترويكا جديدة، بما أنه سيكون لها شريك ثالث، هو حركة النهضة التي يصر الشيخ راشد الغنوشي زعيمها، والباجي قائد السبسي زعيم نداء تونس، على أن يكون لها حضور فاعل في الحكم وإن لم يكن مباشراً، بمعنى أن شخصيات «شبه مستقلة» من خارج النهضة ستمثلها في التركيبة الحكومية المقترحة. ويندرج سعي الشيخين إلى تشريك النهضة في إطار المصلحة المتبادلة، بغض النظر عن الضغوطات الخارجية التي مُورست على السبسي من أجل إرساء توافق بينه وبين الغنوشي، ومن ورائهما أكبر حزبين بالبلاد، فالنداء سيربح بذلك أغلبية مريحة تجعله في مأمن من تعطيلات افتراضية لعمل حكومته، فيما تستفيد النهضة من استمرار وجودها في السلطة من خلال تأثيرها الفاعل في القرارات الهامة والإستراتيجية، كما أن ذلك يمنحها حصانة ستفتقدها لو اختارت التموقع في المعارضة.. ويبدو أن الحبيب الصيد الذي يعي جيداً حدود قدراته السياسية على تشكيل حكومة تنال رضا أغلب الفرقاء السياسيين، أذعن لمشيئة الباجي قائد السبسي واكتفى بدور تجميع السير الذاتية للمترشحين وتدوين رغبات الأحزاب السياسية الحليفة والمعارضة ورفعها إلى السبسي الذي يؤشر عليها بعد مناقشتها مع شريكه الجديد الشيخ راشد الغنوشي.. ولذلك كله، تظل التسريبات حول أسماء بعينها تم اختيارها لحقائب وزارية معينة مجرد تكهنات لا يعلم صحتها سوى الرجلين اللذين كثفا من لقاءاتهما اليومية من أجل التوصل إلى توزيع عادل للوزارات على مترشحي الأحزاب الصديقة وعلى بعض الكفاءات المستقلة. ولا تزال الجبهة الشعبية اليسارية مصرة على عدم منح ثقتها للفريق الحكومي الجديد حتى قبل التعرف على أسماء الوزراء التي تتضمنها، فيما تأكدت موافقة نواب الأحزاب المتحالفة مع حركة نداء تونس وشريكها الجديد حركة النهضة التي تقول بعض الأطراف بأنها اختارت اسمين من خارج الحركة إلى جانب الناطق الرسمي باسمها زياد العذارى لتقلد ثلاث مناصب حكومية. وتخشى الطبقة السياسية اليوم من إمكانية تعقد المناخ الاجتماعي جراء سلسلة الإضرابات التي تشهدها قطاعات حيوية بالبلاد كالتعليم والنقل العمومي والاحتجاجات المهنية الأخرى بما يجعل انطلاقة عمل الحكومة الجديدة أمراً عسيراً خصوصاً أمام تعنت الطرف النقابي وضغوطاته على حكومة المهدي جمعة بهدف دفعها إلى الدخول في مفاوضات اجتماعية للزيادة في الأجور، إضافة إلى ملف مكافحة الإرهاب وإنقاذ الاقتصاد المتدهور، بما قد يعرقل سير تنفيذ الإصلاحات الكبرى التي تسعى الحكومة الجديدة إلى تنفيذها حال استلامها السلطة.