معدل البطالة العالمي عاد لمستوياته قبل الأزمة المالية العالمية، هذا ما كشف عنه آخر تقرير صدر من صندوق النقد الدولي، حيث أظهرت الأرقام الواردة في التقرير استقرار معدل البطالة عند 5.6 بالمئة لعام 2014 م وهو ما كان عليه المعدل عام 2007م ويقيس المؤشر معدلات البطالة في 64 دولة تمثل 95 بالمئة من الاقتصاد العالمي و80 بالمئة من حجم القوى العاملة عالميًا. إلا أن المفارقة تكمن بأن معدل البطالة في المملكة ما زال فوق 11 بالمئة وهو نفس المعدل الذي كان عليه في عام 2007م وفقًا للأرقام الصادرة من مصلحة الاحصاءات العامة سواء للعام الماضي أو لعام المقارنة المذكور أي أن كل ما تم توظيفه خلال أكثر من سبعة أعوام لم يسهم بخفض معدلات البطالة محلياً رغم ارتفاع معدلات التوظيف إلا أن عدد القادمين لسوق العمل بقي أعلى من حجم الوظائف التي اتيحت للمواطنين خلال السنوات الماضية بالرغم من تزايد الإنفاق الحكومي على مشروعات البنى التحتية التي يفترض أنها أنتجت الملايين من فرص العمل قياسًا بإنفاق تجاوز التريليون ريال خلال هذه المدة وهو ما تعكسه الزيادة بأرقام العمالة الوافدة التي وصلت بنسبة 50 بالمئة خلال آخر عشر سنوات وبما أن حوالي نصف العمالة بالقطاع الخاص موجودة بقطاع التشييد والبناء فمن الطبيعي ألا يستفيد المواطنون من حجم فرص العمل التي أنتجها الاقتصاد لأن أغلبها وظائف متدنية المتطلبات بالشهادات وكذلك بالدخل بخلاف ما ينمو على أكتاف النشاط الاقتصادي من وظائف بقطاعات كالتجزئة التي لا تبتعد كثيرًا في مزاياها ومتطلباتها عن الوظائف التي تتوفر بقطاع التشييد. وتأتي أهمية المقارنة بين المعدل المحلي والعالمي للبطالة عند جوانب عديدة مهمة حول دور الإنفاق العام على المشروعات الحكومية بإيجاد فرص العمل وكذلك مدى توازن النمو بقطاعات مهمة كالصناعة وكذلك السياحة وبقية القطاعات التي يفترض أنها تتوسع لتوجد فرص عمل أكثر استقرارًا وأمانًا واستمرارية من الوظائف بقطاعات التشييد والتجزئة اللذين يستحوذان على قرابة 65 بالمئة من حجم العمالة بالقطاع الخاص كما توضح المقارنة أن كل إجراءات وزارة العمل التي رفعت من معدلات التوظيف خصوصًا في آخر أربع سنوات لم تقلص من نسبة البطالة بنسبة كبيرة مؤثرة بل يمكن القول إنها ارتفعت إذا ما عدنا لخطة التنمية التاسعة التي انتهت قبل أيام قليلة التي كانت نسبة البطالة ببدايتها عام 2010 م عند 9.6 بالمئة بينما وصلت بنهايتها إلى ما يقارب 11.5 بالمئة مما ظهر معه أن كل الإجراءات ركزت على الكم وليس النوع مما رفع من معدل الدوران الوظيفي للمواطنين بالقطاع الخاص وكذلك التسرب نظرًا لأن الغالبية تبحث عن الأمان الوظيفي بالاتجاه للقطاع الحكومي وكذلك ظهرت السعودة الوهمية كنتيجة للثغرات الموجودة ببرنامج نطاقات الذي اعطى ميزة الاستقدام لمن يوظف مواطنين أكثر فبرزت معه ظاهرتا السعودة الوهمية وكذلك زيادة الكم بالتوظيف على وظائف متدنية للمواطنين لتحقيق متطلبات برنامج نطاقات. وإذا كانت وزارة العمل معذورة في أنها تحاول إيجاد فرص العمل للمواطنين من خلال المتاح بالسوق واستخدامها لكل السبل التي من شأنها رفع وتيرة التوظيف إلا أن الخلل يبقى لدى الجهات المعنية بإيجاد فرص العمل وهي التي تقع تحت مسئوليتها قطاعات كالصناعة والسياحة والخدمات المالية والتقنية والصحية...الخ ومن المفارقات أن كل تلك الجهات لديها خطط إستراتيجية تطمح من خلالها لجذب استثمارات ضخمة وإنتاج فرص عمل تكفي لاستيعاب العاطلين الحاليين وحتى القادمين لسنوات طويلة قادمة. وعند تسليط الضوء على كل قطاع تجد أن العوائق التي تقف أمامه لتنفيذ خطته الإستراتيجية كبيرة وتتداخل فيها جهات أخرى لا تتفق أنظمتها مع الخطة الخاصة بتلك الجهة أو لم تتطور لتواكب تطلعات قطاع معين أو الخطة العامة لتطوير الاقتصاد المحلي وهنا يظهر التباطؤ بتنفيذ ما لدى هذه الجهات من تطلعات للوصول لأهداف خططها مما يوضح بشكل جلي أن جهاز التخطيط الرئيس المتمثل بوزارة الاقتصاد والتخطيط ومنذ سنوات كان بعيدًا عن محاولات إيجاد التنسيق بين مختلف الجهات للنجاح سواء الخطط الخمسية العامة أو تلك الخاصة بكل قطاع إما لضعف كامن بالوزارة أو لعدم التوسع بصلاحياتها في المستوى الملائم لدورها المطلوب على اعتبار أن ما تضمنته الخطط التنموية جميعها يتكرر فيه تنويع مصادر الدخل من خلال التوسع بالطاقة الاستيعابية بالاقتصاد التي ستنعكس بنهاية المطاف على سوق العمل إيجابًا لو تحققت هذه الأهداف بإيجاد كم كبير جدًا من الوظائف الجيدة. الفجوة الكبيرة بين ارتفاع معدل البطالة المحلي قياسًا بالمعدل العالمي لأكثر من الضعف لا يمكن تقليصها من خلال الاجراءات الحالية التي تنفذها وزارة العمل بل من خلال عمل متكامل بين مختلف الجهات المعنية وما يساندها من أذرع تمويلية وكذلك القطاع الخاص وإذا لم تتسارع خطوات التنسيق والتكامل بينهم فإن معدلات البطالة ستبقى مرتفعة وقد تتزايد مع ارتفاع أعداد القادمين لسوق العمل سنويًا والذين يزيد عددهم عن 300 ألف مواطن ومواطنة سنويا وغالبيتهم يحملون مؤهلات جامعية ومهنية متنوعة.