جلس الرجل في عيادة العيون الصغيرة والمتواضعة في محتوياتها ينتظر الطبيب الذي لم يستطلع بعد سر غيابه رغم أنه قد تركها مفتوحة، فهذه العيادة التي تذكره بالزمن القديم وحيهم البسيط ووالده الراحل حينما كان يتردد به على هذه العيادة الصغيرة لطبيب شامي لا شك أنه بات يهرم لأنه تركه منذ زمن وهو طاعن في السن، ومكتمل في المشيب.. فكيف هو الآن؟! لا بد من انتظاره والتزيد بالصبر ومعرفة أسرار الغياب وتفاصيل المكان، فما كان منه إلا أن ارتدى نظارته الطبية واخذ يحدق في الصور التي لا تزال معلقة على جدران هذه العيادة الصغيرة في هذا البناء الهرم.. إذ تتماشى هذه المكونات والبناء والمقام والحي الذي تقبع فيه إلى تفاصيل ما في الماضي، فهو بلا شك من رجالات ذلك الزمن.. ومن مكونات تلك الأحياء التي كانت شيئا في الماضي ولم تعد اليوم إلا بقايا مظهر وكم هائل من الذكريات والحكايات التي بقيت عالقة في الوجدان. فلم تتزحزح تلك الصور عن مكانها طوال تلك العقود الماضية، فكانت شهادات الطبيب المعتمدة من جامعات عربية عريقة وأخرى غربية لا تقل عمق في التاريخ، وإن أضاف إليها أخيراً على صدر هذا الجدار لقطات لحفلات تكريمه.. تأخر الطبيب. سأل عنه عامله الآسيوي ولم يظفر بإجابة، عاد إلى تأمل المكان عله يظفر بشيء من الهدوء والسكون، فبات يتأمل من جديد خيوط الزمن حينما كان يأتي بوالده إلى هنا لفحصه قبل عقود ثلاثة، فقد رحل الشيخ وهو شبه كفيف، فيما يبدو أن الطبيب لا يزال يقاوم وعثاء الزمن، وغرات الهرم. في مسالك انتظاره وتأملاته وترحمه على من رحل، وتأملات أيامه وتحولات زمنه أطل الطبيب بعد نحو ساعة متأرجحاً وكأنه يعتذر عن تأخره وهو يظهر شكواه خائر يتألم: - كنت يا ولدي في عيادة الطبيب المجاور، أعالج من أمراض عصركم.. السكري وضغط الدم والدرقية، وتقصف دمائي..!! أصيب الرجل بدهشة ما وهو يسلم عينيه ليفحصهما الطبيب بيدين ضامرتين ومرتعشتين.. فقد كان يصطحب أبيه إلى هنا.. فقد ظن خطلا في تلك الأيام الخوالي أن الطبيب لا يهرم.. فإن هرم الطبيب أو مرض فمن يعالجه إذاً؟!