هناك زيارات لا يمكن أن تنساها، تجدها ما برحت تتراءى أمام عينيك.. تسافر ذاكرها في ذاكرتك ورواق قلبك!. تلك الزيارات تبقى كالوشم في الوجدان وتجد لها في نفسك وهجاً روحانياً يتماهى مع مشاعر الإنسان وليس مع مادياته. من تلك الزيارات التي لا أعتقد أنها ستذهب من ذاكرتي: زيارة متحف السلام عليك أيّها النبي بمكةالمكرمة. هذا المتحف الذي لا يماثله متحف بالدنيا فهو أولاً: عن سيد البشر عليه الصلاة والسلام، وهو ثانياً: موسوعة شاملة مكتوبة ومرئية ومجسّدة لتاريخ حي وشامل لكل ما يتعلق بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم: دعوته.. سيرته.. طفولته ومواقفه وأحاديثه، وإيجاد نماذج تحاكي كل ما كان يستخدمه صلى الله عليه وسلم، فضلاً عما ورد ذكره بالقرآن الكريم وهو يتكون من (26) قسماً.. وثالثاً: هو في تلك الأرض المباركة التي درج عليها المصطفى.. رابعاً: هو عرض حي لكل ما يتعلق به عليه السلام من أواني وسلاح وملابس والحلي ومكاييل وأدوات الزراعة والصناعة في عصره وعن كل ما يتعلق بمكةالمكرمة والمدينة المنورة. لقد بدأ فكرته وأسسه وتولى كافة تكاليفه وإقامة مبناه رجل فاضل محب لنبيه هو د. ناصر بن مسفر الزهراني، أحب المصطفى عليه السلام فجسّد حبه له: منجزاً تاريخياً عظيماً يبهر عينيك ويقشع جسدك ويخفق قلبك وأنت تتجول بين أقسامه وأجنحته.. كأنك ترى المصطفى أمامك بكل ما يحمله من خلق عظيم وبكل ما يعيش فيه من زهد نادر.. وترى مكةالمكرمة قبل أكثر من ألف وأربعمائة وثلاثين عاماً وقت بعثته، وتشاهد طيبة الطيبة بكل تاريخها وزمان هجرة الرسول إليها عليه السلام. ولقد بدأت فكرة المعرض لدى مؤسّسه منذ العام 1427ه عندما أراد الشيخ ناصر بن مسفر الزهراني تدوين سيرة للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم بشكل عصري وتجديدي، ثمَّ تحولت الفكرة التي انطلقت لتكون كتابًا في السيرة النبوية إلى موسوعة تاريخية. ومن المتوقع لها أن تزيد مجلداتها على خمسمائة مجلد، وقد استهلك حبيبنا الزهراني في كتابة مسوداته (200) قلم يحتفظ الزهراني بها كلّها في زاوية من زوايا المعرض. إنك وأنت تتنقل بين أقسام المعرض لا تسأم أبداً وبودك أن تجلس في كل قسم ساعات فهو تاريخ حي نابض للرسول الكريم.. إنه يجعلك تحب نبيك أكثر، وتحرص على متابعته بشكل أعظم.. بل إنك تزداد إيماناً برسالته صلى الله عليه وسلم وأنت تقرأ آثاره، وترى مآثره، وتشاهد ما يدل على صدق رسالته عليه السلام. إنه في ليس بعد الحرمين الشريفين والمسجد الأقصى مكان يسري إشعاعه بمسارب نفسك وقلبك ووجدانك مثل هذا المعرض ولم لا؟.. أليس عن سيرة وحياة وآثار وأحاديث وتاريخ رسولنا الحبيب عليه السلام. لقد رأيتني أنه ليس أنا لوحدي الذي انبهر بما رأى بل ورفاق الرحلة الأخيار الذي لا يشقى جليسهم بل يسعد برفقتهم، وقد قرأنا واطلعنا على ما كتبه العلماء الأجلاء والزوار الكبار الذين زاروا المتحف وجسدوا شيئاً من مشاعرهم بعد زيارته. متحف السلام عليك أيها النبي عمل مبارك نالت فكرته (على شهادات سبْق علمية متعلقة بفكرة المعرض وطريقة عرضه، وهو متحف يُحاكي التاريخ العلمي المحسوس لسيرة النبي محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم عبر بناء نماذج فنية لكل المواد المحسوسة الواردة في القرآن والسنة النبوية، ويهدف المتحف إلى تكوين بيئة محاكاة لما ورد في التاريخ الإسلامي مع توفير أفلام علمية شارحة، مع عناية ظاهرة بأسس وجماليات العمارة الإسلامية). لقد جاء هذا المشروع المبارك في وقت نحن المسلمين أحوج ما نكون فيه إلى بلورة سيرة الرسول عليه السلام بطريقة عصرية مشوقة بكافة جوانبها الإنسانية وإبراز جوانب دعوته ومعالم رحمته التي جاءت لتنشر السلام والأمان والرحمة.. {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} «الأنبياء 107». نعم لقد جاء هذا المشروع في وقت اشتدت فيه الحملات على الإسلام وعلى رسول الإسلام حتى وصل الأمر إلى التعرض له والاستهزاء به.. تنزه المصطفى عما يقولون ويفترون. ما أحوج شبابنا إلى الإطلاع على سيرته وحياته عبر هذا المتحف المتفرّد، وعبر الموسوعة التاريخية التي نهض بها الدكتور الفاضل ناصر الزهراني وهو يعيش بين جبال وأحضان أم القرى التي درج عليها المصطفى وبدأ وانطلق منها ينشر سماحة الإسلام، وعاد إليها فاتحاً منتصراً مودّعاً للدنيا بعد أن ألقى خطبته التاريخية التي أعلن فيها حقوق الإنسان قبل أيّ قوانين أو شرائع أخرى بالدنيا. إنني أحيي هذا الرجل الذي جسد محبته لرسولنا بهذا العمل المتميز فعلاً: متحفاً وموسوعة وآثاراً، وامتنان وافر له على جميل استقباله ومضيء احتفائه وكريم خلقه وشكراً لعزيزنا معالي الدكتور ذي الخلق الجميل محمد الخزيم الذي هيّأ لنا هذه الزيارة ورتب لها واصطحبنا لمتحفها. إنك لا تملك عندما تزور هذا المتحف إلا أن ترحل إلى آفاق من النور وإشراقات من الروحانية والانبهار والإيمان بالرسول عليه السلام واتباع سنته والعمل بها. بأبي أنت وأمي يا رسول الله.. يا قرة عيوننا وقلوبنا.