هو الناطق باسم الحكومة عند انتهاء جلسات مجلس الوزراء، يُطلع الشعب عبر وسائل إعلامه بمقررات الجلسات التي تلتئم اليوم برئاسة رئيس الحكومة فقط؛ لأنه لا رئيس للجمهورية منذ انتهاء عهد الرئيس ميشال سليمان في 25 أيار - مايو الماضي. وزير الإعلام رمزي جريج، المحامي اللامع ونقيب المحامين في بيروت سابقاً، له باع طويل في القانون والدستور والسياسة. قصدته «الجزيرة» في مكتبه في وزارة الإعلام، ففتح ملفات «الحكومة السلامية» خلال عام مضى، وأشاد بخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز «الذي عودنا على الخير» في مسألة الهبات للبنان. كما تناولنا مسألة رئاسة الجمهورية والعسكريين المختطفين، والحوار المنتظر بين تيار المستقبل وحزب الله.. وكان هذا اللقاء: معالي الوزير، في خواتيم السنة نريد أن نطلع منكم على ما أنجزته الحكومة اللبنانية خلال العام 2014. لنتحدث عن إنجازاتها وعثراتها. - في عمل الحكومة علينا أن نميز بين فترتين، امتدتا من تاريخ تأليفها في 15 شباط، وشغور مركز الرئاسة الأولى والمرحلة التي تلت الشغور. أثناء وجود رئيس الجمهورية كانت الحكومة تعمل بالآلية المعتمدة لعمل مجلس الوزراء، أي بالتوافق، وإذا لم يحصل التوافق فبالأكثرية، أو بأكثرية تصويت الثلثين، في حال كان الموضوع المطروح يتعلق بالأمور الرئيسية التي يتوجب توافر ثلثي أصوات الوزراء لاتخاذ قرار فيها. وكان عمل الحكومة مكتمل الصلاحية، وحققت أموراً كثيرة، منها تعيينات في مراكز فئة أولى. ورغم أنه كان هناك موضوعات خلافية لكن كان يعتمد التصويت، وعندما تنال الموضوعات الأكثرية المطلوبة تُبت. المواضيع الخلافية لا شك كانت موجودة، ولا تنسَ أن رئيس تيار المستقبل الرئيس سعد الحريري قال عند موافقته على تشكيل الحكومة ومشاركة تياره فيها: نحن نربط النزاع (مع حزب الله). معنى ذلك أن هناك نزاعاً، وإنما تم تجاوز المواضيع الخلافية من أجل المصلحة العامة. ورئيس الحكومة تمام سلام سمى هذه الحكومة (حكومة المصلحة الوطنية). بعد شغور موقع الرئاسة في 25 أيار تبين لنا كم نحن بحاجة إلى رئيس جمهورية في لبنان؛ لأنه يكون نوعاً من «قائد أوركسترا»، وينظم الإيقاع. صحيح أن الرئيس سلام حاول بقدر الإمكان أن يجمع التناقضات، وتسيير الأمور الرئيسية، وإنما اعتُمدت قاعدة إجماع الوزراء على أي قرار وزاري (وأنا على فكرة ضدها)، وإنما اعتُمدت هذه القاعدة كي لا تُفجر الحكومة. لكن هنا أصبح أي موضوع خلافي يكفي أن يعترض عليه وزير واحد؛ ليوضع جانباً، ويؤجل طرحه لمزيد من الدرس. وصرنا لا نستطيع أن نقر إلا المواضيع المتفق عليها، وليس هناك من خلافات أساسية حولها. طبعاً أداء الحكومة تغير، وإنما ما زالت تستطيع أن تسير الأمور الأساسية اليومية للناس، على الرغم من تعثر عملها في مواضيع كثيرة. وهذا الأمر يجعل الرئيس سلام يطالب في بداية كل جلسة مجلس الوزراء بأن يتم انتخاب رئيس جمهورية؛ لأن عمل المؤسسات، سواء مجلس الوزراء أو مجلس النواب، لا يستقيم في غياب رئيس جمهورية جديد؛ إذ إنه يمثل رمز وحدة البلاد وحامي الدستور وقائد القوات المسلحة.. إذاً، عنده دور مهم لا تستطيع الحكومة أن تقوم بهذا الدور في غيابه. * بالحديث عن العثرات.. لندخل إلى ملف شائك يهم كل اللبنانيين، وخصوصاً أهالي العسكريين المختطفين لدى الجماعات المسلحة في جرود عرسال، وبعد قتل عدد منهم، وآخرهم علي البزال. هناك اتهام للحكومة وأطراف فيها بالتحديد، بأنها تعرقل مسألة التبادل بين إسلاميين موجودين في السجون اللبنانية والمختطفين. كيف تردون على هذا الاتهام وأنت وزير الإعلام، أي الناطق باسم الحكومة؟ - عندما طُرح الموضوع في الحكومة كان هناك وجهات نظر عدة، منها ما يدعو إلى اعتماد كل طرق التفاوض، ومنها المقايضة (مع إسلاميين محتجزين). ووجهة نظر أخرى تقول إن هيبة الدولة تقضي بألا يتم تفاوض مباشر مع الإرهابيين التكفيريين. وإزاء هذا الاختلاف في الرأي تقرر تفويض رئيس الحكومة مع «خلية الأزمة» المؤلفة من نائب رئيس الحكومة ووزير الداخلية واللواء عباس إبراهيم (المدير العام للأمن العام) بإدارة الملف. وهؤلاء ينالون ثقة كل الأطراف؛ ليقودوا الملف بحكمتهم، ويعتمدوا كل طرق المفاوضات التي يرونها مناسبة. على أن يعودوا بالنتيجة إلى مجلس الوزراء، ويطلعوه على نتيجة التفاوض. والتفاوض الذي قام به الرئيس سلام مع خلية الأزمة هو تفاوض دقيق ومعقد، ويفترض الكثير من التكتم. اعتمد في البداية على بعض الوسطاء، لكن تبين أن قدرتهم محدودة في حل هذا الملف. طُرح مؤخراً اعتماد المفاوضات المباشرة. الوزراء ليس لديهم اطلاع على مضمون المفاوضات، إنما سوف نطلع من خلية الأزمة على نتائجها. وقد صرح الرئيس سلام بأنه لن يدخر جهداً من أجل الإفراج عن الجنود، وعنده عناصر قوة معينة في التفاوض سيستعملها من أجل التوصل إلى الإفراج عن العسكريين. غير أننا نتعامل مع إرهابيين، لا يلتزمون بكلامهم، يبتزون الحكومة، ويبتزون أهالي المختطفين، الذين صاروا تحت وطأة الضغط عليهم من قِبل الإرهابيين، الذين جعلوهم في موقع مواجهة الحكومة في الشارع بدلاً من أن يكونوا في مواجهة الإرهابيين. * لكن ظروف الأهالي صعبة، ويفقدون أبناءهم.. صار ثلاثة أو أربعة منهم مقتولين على أيدي المسلحين. - نتفهم معاناتهم طبعاً، لكن يجب أن يكون لديهم ثقة بالحكومة. المقايضة ممكن أن تتم، لكن مع المحافظة على هيبة الدولة وعلى أحكام القانون. فمثلاً، هناك محكوم عليهم وموجودون في السجن، وهؤلاء لا يمكن الإفراج عنهم إلا بمرسوم عفو خاص يوقع عليه رئيس الجمهورية، أو بقانون العفو العام. إنما هناك موقوفون آخرون ما زالوا في مرحلة التحقيق، وهؤلاء يمكن إخلاء سبيلهم ليتم التبادل معهم. * إذاً، موضوع المقايضة هو الطاغي الآن على مسألة التفاوض؟ - ربما ليس هناك مقايضة. هناك أمور قد أجهلها، وإن عرفتها فيجب التكتم بشأنها. أولاً، يجب اعتماد سياسة معينة لعدم تعريض جنودنا لأي اختطاف جديد. فإذا تم الإفراج عن العسكريين المخطوفين الآن، وعاد الإرهابيون وقاموا بعمليات خطف جديدة، فسيعملون على ابتزاز الدولة من جديد. والحقيقة أن الرئيس سلام عندما كان يزور بروكسيل مؤخراً كان يتصل ساعة بساعة بمكتبه في بيروت وبالأجهزة الأمنية؛ كي يعرف التطورات، وليس لديه الآن همّ أكبر من همّ العسكريين صالمختطفين. * هناك من يسأل الحكومة: لماذا لا تقوم بمثل ما عمله حزب الله الذي بادل أسيراً له لدى الجيش السوري الحر بعناصر سورية كان يحتجزها كذلك؟ لماذا لا تقومون بهذا الأمر؟ - لا تستطيع أن تقارن بين الدولة والحزب. وقد كانت العملية فردية، وتمت بالتكتم. ونحن نتوخى الآن أن تتم مفاوضات خلية الأزمة اليوم بتكتم، وألا تقوم وسائل الإعلام بنشر أي تفصيل يتعلق بها. وأحياناً كثيرة يتم نشر أخبار غير دقيقة. وأنا أناشد الإعلام أن يتوخى الدقة في الخبر، وتغليب المصلحة العامة على السبق الصحفي وعلى الإثارة. فبماذا يستفيد العسكريون عندما يتم تصوير أهاليهم بأنهم يقفون في مواجهة الدولة بدلاً من أن يكونوا في مواجهة الخاطفين؟ أو عرض صور للعسكريين أنفسهم وهم يتوسلون تحت الضغط والإكراه؟ الخاطفون يطلبون من الأهالي التصعيد، الذين ينفذون مآرب الخاطفين اعتقاداً منهم أن ذلك يساعد في إطلاق سراح أبنائهم. وهذا غير صحيح. * بناء على كل ذلك، هل ترون نهاية قريبة وإيجابية لملف المختطفين الذي يشل البلد ويخرجه من طوره؟ - أعتقد أن الحكومة ستقوم بكل جهدها. الموضوع شائك ودقيق. وأنا قلق؛ لأن جنودنا بأيدي تكفيريين، يبتزون بواسطة المخطوفين الشعب اللبناني والحكومة اللبنانية. * في موضوع تقوية الجيش الذي يقف في مواجهة المسلحين أينما كانوا، وقفت المملكة وقفة تاريخية بإعطاء هبة للجيش بثلاثة مليارات، ثم بمليار دولار. كيف ترون هذه الهبة؟ وأين أصبحت المساعدات بعد توقيع الاتفاق السعودي الفرنسي في الرياض؟ - أولاً، الهبة السعودية مكرمة من خادم الحرمين الشريفين؛ لا بد لنا أن نوجِّه الشكر عليها. وهو عوّدنا على ذلك، وهو يعطي هبة للجيش اللبناني، ولا يعطي لفريق ضد فريق في لبنان. وهذه هبة توحد لبنان ولا تفرقه. أنا أعتقد أن الهبة سلكت طريقها الصحيح، وعلمتُ أنه خلال 15 يوماً يبدأ تنفيذ جزء من هذه الهبة. وهناك جزء يأخذ وقتاً أطول؛ لأنه يحتاج إلى تصنيع. * ماذا سيتضمن الجزء الأول؟ - يتضمن بصورة عامة أسلحة تتناسب مع احتياجات الجيش، الذي يحدد احتياجاته بالاتفاق مع الجانب الفرنسي. وهذه الأسلحة يحتاج إليها الجيش في مواجهة الإرهاب في المنطقة الجغرافية التي يتعرض إليها، ويصد الإرهاب فيها. * أخيراً، هل ترى الجو السياسي أصبح مواتياً أكثر لانتخاب رئيس الجمهورية قريباً؟ - طبعاً، كان يجب انتخاب الرئيس قبل ذلك بكثير، لولا تعطيل النصاب من قِبل فريق من النواب. وأعتقد أن الهامش اللبناني كبير في انتخاب رئيسهم؛ لأننا لا نستطيع أن ننتظر تفاهمات إقليمية قد تطول، ولا أحد يعارض انتخاب رئيس جمهورية من الخارج إذا كان اللبنانيون مصممين على إجراء هذا الانتخاب. آمل أن يكون الحوار الذي سيباشر قريباً بين تيار المستقبل وحزب الله تمهيداً لهذا الانتخاب. هذا الانتخاب ليس حكراً على هذين الفريقين فحسب؛ لأنه يهم كل اللبنانيين. ولكن إذا كُسر الجليد بين الطرفين فربما تتوسع دائرة الحوار، ويشمل الفريق المسيحي خصوصاً، لكي يكون له دور فاعل في اختيار شخص الرئيس. أعتقد أن الحوار بين المستقبل وحزب الله سيساعد على انتخاب رئيس. كذلك فإن الاتفاق على قانون انتخاب لاعتماده لاحقاً بعد انتخاب رئيس من شأنه تسهيل عملية انتخاب رئيس الجمهورية. نحن بحاجة إلى رئيس؛ لأن لبنان اليوم هو جسم بلا رأس.