المتمعن في سلوك العرب وهم يجتمعون على « الغناء»، ويتسابقون بملايين أعدادهم للتصويت، والترشيح لأصوات شبابهم، ويبذلون النفيس من المال على النزول بالمدن الكبرى في بلدانهم لحصد، وحصر «مواهب» شبابهم الصوتية، لا العقلية، وتفريغهم الوقت الطويل لمتابعة شؤون برامج تخصص لهذا في فضائياتهم، لذهب لب العاقل..، واتسعت دهشته، وأخذ يغور في تفتيت كل صلب أمام غموض الدوافع..، وأسباب الشواهد لأن يكون العرب على هذا المسلك الغائم..، في حين كان عليهم بدل التوجه للغناء، أن يكون للعلم والبناء... فتأسيس الشباب بمعرفة أصول الغناء، في برامج ثمينة باهظة التكاليف،وليس في مهارات التجريب،والمعرفة، وصقل المدارك،وتنمية القدرات ليس بزج هذه المصطلحات لقَما في الأفواه، وإنما تطبيقها على أرض واقع، فيه ما ينم عن أن أجيال العرب ليست على جادة يكون مآلها التقدم العلمي..، ولا الإنجاز المعرفي الذي يضيف في لبنة القيمة الفعلية للمجتمع العربي..! وهذا مآل شائك ومؤسف..! فيما يولول العرب لماذا نتأخر..؟ صحيح أن الدول التي يقلدون ما فيها من برامج تحتفي بما يحتفون به من مواهب في الغناء، غير أن هذه البرامج هناك ليست الهدف الأول لدى شعوب تعرف كيف تكون لها الدفة..، والدليل هذه الفروق الشاسعة بين واقع تلك الأمم في أنماط، ومستويات، ومخرجات التعليم..، والمنجز باختلاف مجالاته، في مجتمعاتها بشرائحها، ومؤسساتها، والجامعات بمنجزاتها، وخبراتها..، في مقابل نظائركل ذلك في العالم العربي.. هناك الشرائح المنتجة لمجتمعاتها على صعد المعرفة، والإبداع، والصناعة والابتكار، ناهيك عما تتسابق إليه من مكتشفات في الأرض وفي السماء، وما تنجزه من أجل صحة الأفراد والبيئات، ومن أجل معرفتهم، ومن أجل وسائل تفيدهم في حياتهم من مكنة الحرث، لآلة البناء، لكبسولة الدواء، لمركبة الفضاء، لتنافس العلماء في شتى مجالات المعرفة..، تلك المجتمعات تميز بين الترفيهي والجاد، وبين العطاء والأخذ، وبين الشخصي والعام، وبين حق الفرد على نفسه، وحق مجتمعه عليه..، بل حق البشرية فيما عنده من موهبة، وملكة، وقدرة، ومعرفة، وخبرة، وعلم، وفكر، ليجعلوا من كل ذلك مدار شراكة على مستوى الإنجاز العالمي..وليس المجتمعي المحلي فقط. لكن كل هذا متعثرٌ ولا يكاد يستولي على السلمة الأولى من اهتمام المجتمع العربي.، إلا على صعيد فردي تنطمس جذوته في تيه الكل..!! إن المجتمع العربي بعامة ليس لدى شرائحه المنتشرة حديث إلا ما حصدته برامج «النموذج العربي» في الغناء، و»النجم الأكاديمي»، وأخبار تتمدد كلماتها في مسارات أصحابها، وكل ما شابهها، ووضع على شاكلتها، والشاهد بذلك ستؤكده نتائج أي مسح عام على ما تقدمه الفضائيات العربية، ومواقع التواصل ووسائله..، إضافة إلى ما في الجانب الثاني مما تقدمه من برامج الجدل،والحوارات الساخنة الفارغة، التي تضخم النماذج الهشة التي ظهرت كالفقاعات في المرحلة الراهنة، حيث مالت الكفة نحو الهزيل الهامشي، المتسطح الملمع..، ذي الصوت، وسطوة التقارب في الفكر والاتجاه..! ويقولون لماذا نتأخر..؟ وكلما هبت ريح الطامعين قدموا لنارهم طُعما مهيأ بزخارفه، لديه الميول والشغف للظهور أمام لمعان الأضواء، وكل هذا ستحرقه نار الحقيقة، والتاريخ ذات يوم..، وسيحصد المجتمع العربي الشاسع مغبة هذا الجري المسعور في هباء..!