نحن في هذا الزمن الذي يحيرنا بمتغيراته، وتقلبات أحداثه، وما أحدثته ثوراته الشعبية من أوضاع، تبدو مخيبة لآمال كثيرين، ومخالفة لتوقعات كل المتفائلين، ابتداءً من الاسم الملتبس والمخادع، حين تخيلنا أنها ثورات ربيع حقيقي، فإذا بها ثورات خريف قاحل، وخيبة الأمل الكبرى أنها لم تكتمل في معظمها، وبقي في النفوس بصيص لآمال ضعيفة بأن الثورة مازالت مستمرة، وهو ما يقوله الثوار في مصر، الذين خرجوا لثورتهم في ميدان التحرير قبل أكثرمن عام، ولم يعودوا لبيوتهم وخيام الثورة قائمة فيه حتى الآن. الذي يحيرنا بالفعل، أن العرب الذين تفاءلوا بشباب صنعوا الثورة، وأسروا القلوب بعزيمتهم، وإرادتهم القوية وتضحياتهم من أجل التغيير. نجد أن هناك من يريد أن يصنع جيلاً آخر، جيلاً له طموحات مختلفة، وفكر مختلف! أهو جزء من إرهاصات الثورة التي لم تكتمل؟ أم هو توجه لامتصاص حماسهم؟ و تغيير بوصلة اتجاهاتهم الفكرية؟ إذ يلاحظ أنه بدأت مواسم جديدة متكررة لبرامج المواهب الفنية والغنائية، التي أخذت تغزو الفضائيات العربية. في الوقت الذي تمارس القنوات الإخبارية دورها الذي بدأته قبل من عامين في التهييج، والتركيز على نوعية من الأخبارالمسلطة في البؤر المشتعلة في الوطن العربي، التي يراد لها أن تشتعل ويتسع فيها الصراع أكثر، والتغاضي عن أية أخبار أكثر أهمية، كالتوتر الذي يحدث في شبه الجزيرة الكورية في أقصى الشرق، والوضع المحتقن، بعد تهديدات بيونج يانج الصريحة، بإشعال فتيل حرب نووية تصل نيرانها لأمريكا والدول الحليفة لها في المنطقة، رغم هذا، نجد أن القنوات الإخبارية العربية مازالت التعليقات والحوارات والأخبارالساخنة فيها، تسلط كاميرات مراسليها على منطقة الشرق الأوسط فقط. وبقايا ثورات الربيع العربي الذي رسمت خارطته إسرائيل. في ظل هذا التوتر والاحتقان الذي يحبس الأنفاس، نجد أن قنوات المنوعات والدراما والأكشن والسينما، في نفس المجموعة الإعلامية، تتسابق في الترويج والدعاية لبرامج سباق الموسيقى والغناء والمواهب الفنية، وهي برامج مستنسخة من برامج أوروبية تحمل نفس الاسم أمثال: (Arab Got Talent /The x factor /Star AcademyArab Idol)، وهي برامج بالفعل تستخف بعقلية المشاهد الجاد وتبتز الضعفاء. قال عنها نقاد الفن في أوروبا إنها وإن كانت برامج الغرض منها اكتشاف المواهب الفنية، وأغلبها يركز على الرقص والغناء، إلا أن القنوات الفضائية تجد فيها مجالاً لجني أموال طائلة من خلال الإعلانات التسويقية والرسائل النصية والتصويت عبر الجوال، ولهذا يستقطب لتحكيم هذه المسابقات نجوم مقربة من الجماهير.رغم سخونة الأحداث التي نعيشها في المنطقة، ماذا نريد؟ قتل طموحات شبابنا وشاباتنا وإلهاءهم ببريق شهرة المغنين والفنانين؟ وبغض النظر عن متاهات أهداف هذه البرامج، وترجمة معاني أسمائها، إلا أننا في حيرة حقيقية، ما الذي يحدث؟ ففي مصر رغم سخونة الأحداث فيها ودماء الشباب الثائر المهدرة في الشوارع والميادين، تروج بعض القنوات المصرية الخاصة لمثل هذه البرامج كبقية القنوات الخليجية، وكأن ما يحدث في مصر وتونس وليبيا وسوريا، لا يعني تلك القنوات ولا يؤلم المسؤولين فيها. وهو ما يؤكد شكوكنا حول أهداف التوقيت لها. هذه البرامج تؤثر في عقول أجيالنا الشابة وتحد من طموحاتهم ، بحيث تصبح أقصى حدود طموحاتهم أن يصبحوا نجوماً في الغناء والموسيقى.