يتعلم الإنسان، حسب نظرية المعرفة، عن طريق الذكاء الفطري أو عن طريق المحاولة والخطأ وذلك بتجنب الأخطاء للحصول على المعرفة الصحيحة، أو عن طريق التقليد (المحاكاة). وكل المجتمعات في العالم، قديما وحديثا، استفادت من التقليد ولازال التقليد يعتبر عملية معمولا بها. لكن المحذور من التقليد هو في الاعتماد الكلي عليه ودون تمحيص لفوائده وأضراره، كالحال في الاعتماد على كل منتج غربي مادي أو معنوي، الغث والسمين والمهم وغير المهم، والمفيد وغير المفيد مثل تقليد الموضات والتقليعات والممارسات الغربية والبرامج التلفزيونية الأجنبية الرديئة الذي يتعارض محتواها مع قيمنا الفاضلة. ولقد تعرض لهذا الموضوع الأستاذ رشيد حويل البيضاني في مقاله المعنون: «مواهب العرب ومواهب العجم» وأشار فيه إلى أن الذي يقدم في بعض برامج القنوات العربية (كمواهب شابة) هو مجرد محاكاة للبرامج الأجنبية وليست بمواهب على الإطلاق، كالرقص والغناء المكتسب، لأن الموهبة، على حد قوله، شيء ممنوح (عكاظ، الأربعاء 15 صفر 1435ه 18 ديسمبر 2013م). ويعتبر البيضاني في مقال لاحق بعنوان: «أنقذوا شبابنا»، أن مثل هذه البرامج سخيفة وتافهة في كثير من الأحيان، لأنها تخلط مفاهيم الموهبة والإجادة بغيرها وتفرض من خلال القنوات الفضائية العربية رؤيتها علينا، ويقول: «.. هذه البرامج محصورة في الرقص والغناء و «البهلوانات» التي لا يمكن أن تتقدم بها أمة، ولا يرقى بها شعب، وفي الوقت نفسه يتم في إطار عملية التجهيل أو التجريف الثقافي والمعرفي التغاضي عرضا أو عمدا عن المواهب الحقيقية التي يزخر بها عالمنا العربي المترامي الأطراف من الخليج إلى المحيط» (عكاظ، الأربعاء 29 صفر 1435ه 1 يناير 2014م). فأين نحن من قوله تعالى: «كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ... » (آل عمران 110). ما يتلقاه الشباب من برامج تبثها الفضائيات، إضافة إلى ما ينشر في وسائل الإعلام الأخرى، تضعف انتماءهم للقيم والأخلاق الكريمة السائدة في مجتمعهم، ومع الزمن تتدهور هذه القيم والأخلاق، وقد ينشأ جيل متمرد وضائع وغاضب على هذه القيم وجل اهتمامه في الموضة والأزياء ووسائل التسلية المقلدة وغير البريئة، وقد يتعرض معها لأفكار منحرفة. مقابل هذا التدهور لا بد من تربية منزلية ومدرسية تحميهم. فبعض المسلسلات والبرامج التي تبثها القنوات الفضائية تدعو للتسلية والمتعة المؤقتة ومع هذا تروج للمفاهيم والعادات والتقاليد الغريبة في مجتمعاتنا العربية المسلمة، وهي إلى الانحطاط أقرب، وتقود الشباب، خاصة صغار السن، إلى حالة من الاغتراب. ومما يؤسف له أن مثل هذه البرامج التي تبثها قنوات فضائية عربية مخربة لعقول الشباب و «تدس السم بالعسل». بعض هذه الفضائيات تعمل على تقليد البرامج الأجنبية الرديئة تقليد أعمى (أو مقصود) ويعمل على بثها للمشاهدين. وفي الحديث، عن سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال، قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: «لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه» ( البخاري ومسلم). والحق أن ما يصلح في مجتمع ما قد لا يصلح في مجتمع آخر. أما البديل الأفضل فهو بث البرامج التي تتسم بالإيجابية والمسؤولية وتعزز القيم الحميدة والأخلاق الفاضلة، وتشحذ مع هذا همة الشباب للتعلم والاختراع والإبداع ... والله أعلم.