كتبت غير مرة عن أهمية تعزيز الإدارة المحلية، والدور التنموي الذي يفترض أن تقوم به إمارات المناطق ومجالسها المختلفة.. مركزية التنمية، تتسبب دائماً في ضعف مخرجاتها، وتنتقص من دور إمارات المناطق في إدارتها، والإشراف المباشر عليها، والتحكم بها وفق حاجة المحافظات، وجدول الأولويات. أعتقد أن «هيئات التطوير العليا» ما هي إلا أداة من أدوات تعزيز الإدارة المحلية، بل هي هيكل مصغر للإدارة التنموية التي يفترض أن تكون ضمن الهيكل الشامل لإمارات المناطق.. إدارة الحكم المحلي لا يمكن أن تكتمل بمعزل عن الاستقلالية التنموية، الجزء الأهم من مسؤوليات أمير المنطقة. إنشاء هيئة عليا لتطوير المنطقة الشرقية سيسهم في تعزيز الإدارة المحلية، وسيوفر لإمارة المنطقة ذراعاً تنموية قادرة على وضع الخطط الإستراتيجية، واقتراح المشروعات وطرحها وإدارتها، وفق تنظيم إداري محكم يحقق المتطلبات، ويعالج المشكلات، ويتفاعل بكفاءة مع المتغيرات، ويضمن، بإذن الله، جودة المخرجات التنموية. لم تكن الميزانيات المالية عائقاً أمام مشروعات التنمية المختلفة، فقد حظيت المنطقة الشرقية باعتمادات مالية ضخمة، أسوة بالمناطق الأخرى، غير أن معوق الإدارة تسبب في إضعاف المخرجات، وتدني كفاءة المشروعات، وهو أمر تُسأل عنه الوزارات المعنية التي لم تستطع أن تحقق أهداف التنمية وأمنيات المواطنين. برغم حجم الإنفاق الضخم، إلا أن أزمات المدن والمحافظات ما زالت قائمة، وتتعاظم بشكل لافت.. التنمية أحد أهم مكونات مؤشر الرضا لدى المواطنين، وأزعم أن مجمل الإحباط وعدم الرضا ناتج عن ضعف الخدمات الحكومية، وفي مقدمها الخدمات البلدية. ترتبط مشكلاتنا التنموية بالجانب الإداري الذي تسيطر عليه المركزية، ويفتقد الإبداع والتطوير وكفاءة العمل، وهو أمر يمكن ملاحظته في الأمانة والبلديات بشكل خاص، إضافة إلى إدارات الطرق، المياه، والتعليم حيث يشكّلون فيما بينهم معضلة التنمية في المنطقة الشرقية.. قد لا يكون الأمر مرتبطاً برؤساء تلك الإدارات، بقدر ارتباطه بالمؤسسة الحكومية، ومنظومة العمل. ولو استشهدنا بالأمانة، لوجدنا أن مشكلاتها الخدمية في ازدياد مطرد، وهو أمر يمكن ربطه بالجانب الإداري لا المالي.. تغيير الأمناء، لم يسهم في معالجة الأزمات، وتطوير العمل، وإحداث نقلة نوعية في الخدمات البلدية.. ضعف الهيكل التنظيمي، وغياب ثقافة العمل المؤسسي، والرؤية المستقبلية، وربما ضعف الجهاز الإداري، جعل الأمين أكثر انغماساً في معالجة المشكلات بدلاً من انشغاله في التخطيط الإستراتيجي، وإدارة التنمية. هناك انطباع سائد لدى أهالي المنطقة، بعدم امتلاك الأمانة رؤية واضحة لما ينبغي عمله في مجال التطوير البلدي، والتخطيط الإستراتيجي، والأولويات التي يفترض أن تُبنى على احتياجات السكان. وبتضييق دائرة العمل، والتركيز على الدمام، كنموذج قياس قريب من الأمانة، نجد أن المدينة تشكو من مشكلات تنموية عميقة.. فبالرغم من محاولات التطوير والمعالجة، والتغيير في قيادة الأمانة، وضخ الدولة مليارات الريالات في ميزانيتها سنوياً، لم تستطع الانعتاق من مشكلاتها التنموية، حتى أصبحت مثالاً للجمود والاستكانة. تفتقد العاصمة الإدارية إلى أي لمسات جمالية مستحقة، ويطغى على مشروعاتها العمل العشوائي، وتفتقر المشروعات النوعية في المجالات الترفيهية، الخدمية، أو التجميلية، فضلاً عن تجميد مشروعات معتمدة، وتعرُّض مشروعات أخرى للتأخير والتعثُّر، كمركز الملك عبد الله الحضاري بالدمام، وطريق الملك عبد الله في مرحلته الأولى والذي يربط بين حي الشاطيء وحي الحمراء بالدمام مروراً بجزيرة سيهات ووصولاً لطريق الظهران - الجبيل السريع والبالغة تكلفته 400 مليون ريال. وعلى علاقة بإنجاز إجراءات المواطنين نجد أن الأمانة منغمسة في التعقيدات التنظيمية، وعدم احترام قيمة الوقت والتسويف، وهذا يؤدي إلى رفع درجة الإحباط لدى المواطنين، وهو أمر يمكن ملاحظته في شبكات التواصل الاجتماعي، والصحف اليومية. أعتقد أن تشكيل هيئة عليا لتطوير المنطقة الشرقية ينبغي أن يواكبه تغيير في العنصر البشري في أمانة المنطقة الشرقية والبلديات التابعة لها، وبما يحقق كفاءة العمل، ويزيد من فاعلية الأمين، ويسهم في إرساء أسس التكامل بين الهيئة والأمانة. نجاح «الهيئة العليا لتطوير المنطقة الشرقية» سيكون مرتهناً بالكفاءات وآلية العمل، وإذا لم تعتمد الهيئة على شراكة إستراتيجية مع شركة تطوير عالمية للبدء من حيث انتهى الآخرون، فسنُواجه بمشكلات جديدة لا يمكن التعامل معها مستقبلاً. من حسن الطالع، أن يصدر قرار إنشاء الهيئة العليا لتطوير المنطقة الشرقية، مع وجود سمو الأمير سعود بن نايف بن عبد العزيز، المؤمن بأهمية التكامل بين الإدارات الحكومية والعمل كفريق متجانس لتحقيق أهداف المنطقة التنموية، والذي جعل من شؤون التنمية، وتطوير المنطقة أساساً لعمله الإداري، ما يجعلنا أكثر إيماناً بنجاحها وتحقيقها أهدافها التنموية، وأمنيات المواطنين، وتطلعات ولي الأمر.