هذا محير جدا.. المكوّن المستدير يشاركني غيبوبتي.. يحنو على جسدي المتجزئ بين شذراته النباتية.. ومأساته الحيوانية.. يمر على المخطط البياني راصداً كل نأمات قعر الذكريات، والصور التي تعرت من ضوضاء ألوان متشققة على شفاه الظمأ.. شعري قد توغل في برودة الإسمنت حتى أتحد بها.. كما فعلت تلك الجذور العصية على الاقتلاع المتفرعة من درنات جسدي.. يداي فحسب هما القادرتان على الحركة من كتلة مجهضة مشغولة بسيماء القمر.. تجازفان بتوهم حريره مارا من فوق الأصابع المقطوعة والمتورمة.. لطالما كان هناك..!! مدركا لصمته كما أفعل..!! قانعا بوحشة حنجرتي، والصدأ الغافي فوق صخورها.. - أتراها الكوة المحدقة بعينها الوحيدة، هي التي صنعت من هلالها بدرا؟؟.. أم انه من بات لا يعنيه ترحاله حول مجسم الأرض، فأصبحت إطلالته العدمية هذه قدرا محسوما يصرح بلا جدوى تنقلاته وشهوره وأطواره..؟؟.. لم توحدت خياراته مع ما اشتهيت؟؟، وهل يمكن أن يعد توالي الأيام والشهور والسنين بسكينة الموت وزينة السبات خيارا؟؟.. هذه البقعة المزروعة بنوره، هي بعض ما صرت أجده من نتف سحاب تسيّره ريح لا امسك بلجامها.. ولعلها كل ما تبقى من الجبال التي تكنى (بما مضى) في هذه العتمة الملتفة كرداء وحيد حول هشيمي.. انني أعيد نفضها وتغيير نسقها عند قدومه.. وما أقصه من هنا، لا أطيل حتى ألصقه من جهة أخرى عوراء.. لو إنه تجرأ يوما على الغياب، ربما لعرفت كم من الزمن قد سار محملا بحطامي.. غير إنه مسمر حيث هو.. يمس حواف الكوه المرتعشة تحت رقته البالغة.. مفرطا بنسيجه الفضي.. ساكبا إياه دون ندم في مثلث او مربع أو دائرة او أي شكل هندسي اقترحه أنا وفق مذاق جنون اللحظة المنتظمة في قلادة غربتي.. - أيمارس ذاتها في الزنازين الأخرى؟؟.. وهل من زنازين أخرى؟، أم أنها حقا أشتات صهيل قيود أظنني اسمعها، وصراخ آخرين أتوهم عذابهم في صالة التعذيب اليومي؟.. بعض من سيوله المتمردة تمر على الثكنات التي اعتلت كف يدي، فأرى أجزاء من مرتفعات طحلبية الملمس، لزجة، تراكمت فوق بعضها لتتحول إلى ما يشبه حراشف المخلوقات الزاحفة في فضاء صحراوي.. أنين بين وديان روحي يجلدني بقسوة.. وسؤال يستعذب حيرتي الممتدة من عهد ما قبل التأريخ حتى هطول ضياعي: -أيمس بخيوطه النادية بالغموض أناسا آخرين؟؟.. أهو بقرصه المتوهج يبتسم لأرض أخرى؟؟.. أتذكر أن له حِجرا يعرف -كما لا أكاد أجزم أحيانا- بالسماء.. يتحرك ضمن منظومة قوانين صرت أشك في وجودها حقا.. ربما تاهت كرّاستي بين شك ويقين.. وترامت جيوش أشباح ماض بين نزيف المداد.. وتنهيدات مساءات المخمل.. ربما.. لكن نسيم الموسيقى الناعم مازال يمس بعثرة الكلمات والأوراق.. في العمق.. هناك جديلة من عشب غض، وعاشقان يتضمخان بنزوة الربيع.. يتقلبان على خرير لذة بعيدة.. يصدحان بكل ما لا يبلغ سمعي الآن.. خيالَ السجان يرتمي فوق أغلالي، يقف ببشاعته بيني وبين قبلة عذراء.. ومداعبة نهد يتبرعم تحت ثرى كوكب ندي.. أغوص في لحظة إتحاد تبددت.. أنحر على عشبها كل ما تلاها من رقاب التأريخ الذابل.. ظلال ثقيلة ترتسم على أغلالي.. ضجيج يخدش سكينة غلال القمر الضوئية: - الى الزنزانة 365 أسير محنية الظهر.. أجرّ سلاسلي بعناء، وبخرائطه المبهمة المرتسمة على محياه -عند الكوة الوحيدة- يرمقني بحذر معهود.. أغلق عيني.. وأنسلّ من بين الصراخ، ولغط الجلادين، أعاود يقظتي بين ذرات ضياء الكوة العوراء.. ألتمس بترف ولّى مذاق رفقته.. متناسية أخاديد جروحي، وأهمس تحت أبصار كثة - وبمتعة تتمنع على سراقها- همستي التي لأجلها أصبحت خليلة قيودي: -انه الرجل الذي كان..