الأمر أشبه بخفوت تدريجي للضوء، لم تتذكر المسافة الأبعد من عامهما هذا على أية حال.. ولكن لم ؟! ليس لشجاعة تدعيها بفقد السنوات التي تسبقه تباعا وعن طيب خاطر ولكنها الفصول تتابع بانتظار مشهد أخير، بعض اللقطات أكثر تأثيرا من غيرهن، فلتتعلم بأيهن تبدأ، علمتها الأيام ذلك فاختارت لقطتها الأثيرة وانزوت بالركن تنتظر بقعة الضوء لتتحرك كدمية بطريقة الفلاش باك. تجاهلت ذاك الجبار بصمته الجبلي، لعنت شجونها العصية وجسدها الفاقدة السيطرة عليه بمجرد أن يلمسه، أشعلت سيجارة ليزيد احتراقها، لعنته بسرها فهو من علمها انهزام المشاعر أمام المزاج، شكلت بالسحب الزرقاء المتكاثفة بأنحاء الغرفة كونا آخر منفلت الحلقات. رسمت وجوها كانت هنا يوما وغادرت.. نفثت المزيد لمحو أشيائها العالقة بالذاكرة. في الليلة التي تسبق عرسهما أهداها فستانا أبيض، وقفازين من الدانتيل يشيان بنصوع بشرتها، وحذاء عالياً،. ذهبت لمصفف شعر ثرثار أدار مؤشر الموجة فالتقطت خبرا عن انهيار عمارة بالبساتين.. ثم آخر عن مقتل مصمم أزياء شهير. ترددت بعدهما أغنية لمطربة تعشق البحر وبخطأ مهني فادح تكررت بفتوركمؤقت لقنبلة موقوتة. أقلها بسيارة فارهة ماركة نيسان لجناح فاخر بأحد الأوتيلات الكبيرة على كورنيش المعادي ليوثق غباءها اثنان أحدهما فاقد النطق، والآخر مبتور الساقين. قدم لها قطعة لحم باردة بطبق من البورسلين التركي الفاخر لم تعرف سنة صنعه ولم تمسسه، ومشروبا أحمر لا يشبه الكرز. جنينها الآخذ في النمو شغل فراغا مكورًا من بطنها المنتفخ بسنتها الأولى، شكل وجعا لذيذا أخفته بكورسيه أقل من قياسها درجتين لتضمه لرصيدها المتنامي من أوجاعها منه. وقتها أبطأ من حركة قدميها الصغيرتين اللتين ضنتا بحملهما وقت صعود السلم قبل لحظة المنح المباركة.. آلام ظهرها المبرحة وعبء أفكارها الأثقل وعلامات مخاض قطتها الرمادية بشراها بليلة طويلة مدفوعة التكاليف.. - ناقصها حاجة؟! - ناقصها أنت جدرانها مغطاة بورق برتقالي شاحب وآخر بالمقابل أحمر اللون قان قررت أن تخفى به آخر تناثرت به بقع الرطوبة بلا استحياء فأزالت جزءا منه أتعب عينيها اللتين اعتادتا رؤية كل جميل كنصوع ستائرها ومراياها ذات الأطر البنية والمذهبة. لم تكلفها الأحجار المتراصة بشكل تموجات إلا أجرة العامل، وثمنها الفعلى ويوما صعبا وشاقا من الضجيج والفوضى، واستثنت من الصورة مهندس الديكور الطماع حين طالبها بألفي جنيه مقابل المعجزة.. - ناقصها حاجة - انت اللي ناقصك كتير - نفسي أقولها -....؟! - باكرهك واجهت نفسها بالمرآة لتتأكد، كانت صفعةً لمست طرف عينها اليسرى بقوة وكادت تقتلعها من محجرها، لكنها لمَ تبكِ..؟! ظلت تحدق به مستدعية أي نوع من المشاعر فلم تجد، وكان ذاهلا يرتجف، اتخذ جانبا وظل مغيبا لساعات بانتظار من يفيقه من فعلته، بينما ظلت مثبتة لزمن بمقعدها محدقة بالمرآة، بعض خطوات محسوبة بالقرب منها وحرارة أنفاسه وذبول وجهه وتلعثمه المعتاد حين يخيفها.. قبل يديها مراراً معتذراً.. بدا مهزوماً شاحباً كمن تطارده لعنة.. لم تجد غير ابتسامتها إجابة محتملة، طالبها برد فعل آخر فلم تجد وإنما ظلت تحدق به بذهول وبسمتها مثبتة بوجهها بزاوية نصف معتمة.. كان عذابا مقيما فهربت عيناه..