في زيارة الى المنطقة الحدودية في رفح، زرت إحدى العائلات المقيمة في بيت يكاد ينهار في أي لحظة بهدف جمع معلومات لفيلم وثائقي. قرب الحدود الفلسطينية - المصرية تعيش عائلة فرت من حرب أخوية جداً. عائلة مكونة من أربع عائلات في مبنى من طبقات عدة، تبعثرت العائلة في كل مكان، أحدهم اضطر للسكن في بيت مستأجر ملاصقٍ للحدود، أما الغرفة التي يعيش فيها مع زوجته وأولاده فقائمة فوق نفق قد يتهاوى في أي لحظة فتسقط الغرفة بمن فيها. الأب يصرخ: «صاحب البيت ساعدنا في السكن، لكنه يرفض أن نجلس في غرفة أخرى غير الغرفة التي تقاوم سقوط النفق في أي لحظة، ومع إطلاق الاحتلال صواريخه على الأنفاق وعلى البيوت التي تكتظ بسكانها والذين لا يجدون مأوى آخر ليعيشوا فيه مع أطفالهم وأوجاعهم التي لا تنتهي. السيدة تنظر بعيون اقتنصها موت عشش فيها أبد الروح قالت: «لا نستطيع أن نمنع أنفسنا من الموت أو فكرة التلاشي كأننا لم نكن يوماً. فبمجرد أن نفكر بأننا نجلس فوق نفق سينهار فينا في أي لحظة، نصاب بهوس الجنون وبظلال تتحرك أمامنا هي ظلالنا التي تخرج منا لتعود بنصف حياة». العائلة فرت من بيت قصفته الصواريخ. الصواريخ المحلية الصنع قصفت أيضاً دمنا فانشق إلى لونين متناحرين حتى اللحظة، العائلات لم تمت، لكن مات فيها حس وطني تجاه البحر فاستمالت أنفاس الرمال المتحركة حولها. احتضنت كعادتها أجساداً تبحث عن قوت يومها. القصة باختصار شديد أن العائلة تسكن في حي البرازيل وقامت فتنة. هكذا ادّعوا، وقصف البيت وهربت الصبية إلى حدود أكثر خوفاً وتشرداً، وبات البيت أطلالاً، ولم يسعفهم أحد في تشرّدهم، هكذا تقول السيدة بعيون ناخرة فيما الزوج يكتفي بأن يصرخ في قلبه صرخة الموت. المنطقة شبه خالية، جميع الجيران هربوا منذ بداية استهداف الحدود ولم يعودوا الى منازلهم. وحدنا/ وحدهم الباقون رغماً عنا. السيدة الحاملة أوجاعها تضعها في صرة القلب وتمضي ناحية الحدود تعطينا ظهرها ولا تلتفت ناحيتنا أبداً. السيدة تعبر حدود الليل تبكي أمنها المتآكل. لا شيء يوجع الكلام غير بيت يتهاوى مع أبسط ذاكرة تنخر فيها الصواريخ عضلاتها. الزوج شاحب تركله الريح كلما صرخ تعيده الى وحدته. تتآكله الأصوات ووحده يبقى نازفاً يحدّق في عيني زوجته، وأولاده يحدّقون في النفق المطل على شحوبهم منتظرين سقوطه، وهو، أي النفق، ينتظر سقوطهم فيه، مكملاً حصارنا حصارهم وسقوطنا سقوطهم ووقوفنا جميعاً في وجه الحصار... هذا الحصار ليس لنا. آمل أيتها السيدة الكسيرة أن أكون قد بلّغت.