ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    انقاذ طفله من انسداد كلي للشرايين الرؤية مع جلطة لطفلة في الأحساء    فيصل بن بندر يرعى حفل الزواج الجماعي الثامن بجمعية إنسان.. الأحد المقبل    المملكة واليمن تتفقان على تأسيس 3 شركات للطاقة والاتصالات والمعارض    اليوم العالمي للغة العربية يؤكد أهمية اللغة العربية في تشكيل الهوية والثقافة العربية    "الوعلان للتجارة" تفتتح في الرياض مركز "رينو" المتكامل لخدمات الصيانة العصرية    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    القبض على ثلاثة مقيمين لترويجهم مادتي الامفيتامين والميثامفيتامين المخدرتين بتبوك    نائب وزير الخارجية يفتتح القسم القنصلي بسفارة المملكة في السودان    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    تنفيذ حكم القتل بحق مواطنيْن بتهم الخيانة والانضمام لكيانات إرهابية    طقس بارد إلى شديد البرودة على معظم مناطق المملكة    أسمنت المنطقة الجنوبية توقع شراكة مع الهيئة الملكية وصلب ستيل لتعزيز التكامل الصناعي في جازان    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    "مجدٍ مباري" احتفاءً بمرور 200 عام على تأسيس الدولة السعودية الثانية    إقبال جماهيري كبير في اليوم الثالث من ملتقى القراءة الدولي    إصابة 14 شخصاً في تل أبيب جراء صاروخ أطلق من اليمن    «عكاظ» تنشر توصيات اجتماع النواب العموم العرب في نيوم    التعادل يسيطر على مباريات الجولة الأولى في «خليجي 26»    «الأرصاد»: طقس «الشمالية» 4 تحت الصفر.. وثلوج على «اللوز»    ضبط 20,159 وافداً مخالفاً وترحيل 9,461    مدرب البحرين: رينارد مختلف عن مانشيني    فتيات الشباب يتربعن على قمة التايكوندو    «كنوز السعودية».. رحلة ثقافية تعيد تعريف الهوية الإعلامية للمملكة    وفد «هارفارد» يستكشف «جدة التاريخية»    حوار ثقافي سعودي عراقي في المجال الموسيقي    رينارد: مواجهة البحرين صعبة.. وهدفنا الكأس الخليجية    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    200 فرصة في استثمر بالمدينة    «العالم الإسلامي»: ندين عملية الدهس في ألمانيا.. ونتضامن مع ذوي الضحايا    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    «يوتيوب» تكافح العناوين المضللة لمقاطع الفيديو    مدرب الكويت: عانينا من سوء الحظ    سمو ولي العهد يطمئن على صحة ملك المغرب    التعادل الإيجابي يحسم مواجهة الكويت وعُمان في افتتاح خليجي 26    السعودية أيقونة العطاء والتضامن الإنساني في العالم    الحربان العالميتان.. !    معرض وزارة الداخلية (واحة الأمن).. مسيرة أمن وازدهار وجودة حياة لكل الوطن    رحلة إبداعية    «موسم الدرعية».. احتفاء بالتاريخ والثقافة والفنون    رواية الحرب الخفيّة ضد السعوديين والسعودية    لمحات من حروب الإسلام    12 مليون زائر يشهدون أحداثاً استثنائية في «موسم الرياض»    رأس وفد المملكة في "ورشة العمل رفيعة المستوى".. وزير التجارة: تبنّى العالم المتزايد للرقمنة أحدث تحولاً في موثوقية التجارة    وزير الطاقة وثقافة الاعتذار للمستهلك    هل يجوز البيع بسعرين ؟!    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    وصول طلائع الدفعة الثانية من ضيوف الملك للمدينة المنورة    أمير القصيم يرعى انطلاق ملتقى المكتبات    محمد بن ناصر يفتتح شاطئ ملكية جازان    ضيوف خادم الحرمين يشيدون بعناية المملكة بكتاب الله طباعة ونشرًا وتعليمًا    المركز الوطني للعمليات الأمنية يواصل استقباله زوار معرض (واحة الأمن)    الأمر بالمعروف في جازان تفعِّل المعرض التوعوي "ولاء" بالكلية التقنية    شيخ شمل قبائل الحسيني والنجوع يهنى القيادة الرشيدة بمناسبة افتتاح كورنيش الهيئة الملكية في بيش    الأمير محمد بن ناصر يفتتح شاطئ الهيئة الملكية بمدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية    السيسي: الاعتداءات تهدد وحدة وسيادة سورية    رئيس الوزراء العراقي يغادر العُلا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قتل وتعذيب الحيوانات ... وأثره علينا

كثر في الآونة الأخيرة تداول العديد من الصور واللقطات عبر قنوات التواصل الاجتماعي والتي تظهر وتوثق قتلا وتنكيلا في مخلوقات الله بطريقة غير إنسانية ومخزية، فهذا يصف عشرات المئات من الطيور ويقف بجوارها مجاهراً ومتباهياً بما صنع، وآخرون كدسوا أحواض سيارتهم بأعداد لا تعد ولا تحصى من الطيور المهاجرة والضبان، لقد نسوا أن الله يراهم ويتوعدهم يقول الله سبحانه وتعالى في سورة المائدة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
لقد أنعم الله علينا نعماً كثيرة لا تعد ولا تحصى وهي في نفس الوقت ابتلاء من رب العالمين ليعرف من يخشاه بالغيب حتى في صيد الحيوانات فعندما يعطيك الله القوة فلديك السلاح وأمامك هذه الحيوانات، كما أنك لست بحاجة لقتلها لأكلها فلن تسمن ولن تغني من جوع، وللأسف فلم يكتف البعض بقتل أعداد كبيرة من الطيور المهاجرة ولكن فوق ذلك يتلذذون بتعذيب مخلوقات الله في مناظر بحق مسيئة لديننا ولبلدنا ولأنفسنا، وكان آخرها حرق الثعلب بقلوب متحجرة بعيدة عن الرحمة والخوف من الخالق سبحانه وتعالى، ونسوا تعاليم ديننا، فقد روى ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى قرية نمل قد حرقناها فقال: (من حرّق هذه ) قلنا نحن، قال: (إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار) رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ بإسناد صحيح.
وبالرغم من استنكار العديد من أبناء هذا الوطن الغيورين على مصادر بلدهم الطبيعية وفوق كل ذلك خوفهم من غضب الله عليهم من هذه الأفعال، إلا أن مسلسل هذه المناظر يتكرر يومياً خاصة خلال هذه الأيام مع موسم الهجرة للطيور والعابرة لبلادنا لتعطي صورة مشوهة وغير حقيقية لتعاليم ديننا الحنيف وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولتحملنا عار الظلم لمخلوقات الله والتي تمثل أمم خلقها الله تعيش على هذه الأرض الطيبة، قال تعالى {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} فترى بعضهم يصور إبادة سرب كامل من طيور الرهو ببنادق رشاشة وآخرون يملؤون أحواض سيارتهم بأرتال وأكوام من طيور الدٌخَّل الصغيرة، حتى الطيور الجارحة لم تسلم من العبث والتنكيل، فترى صوراً وقد أطلق عليها الأعيرة النارية لقتلها فقط منها من يصيبها ولا يقتلها وتبقى طريحة في دمائها تتألم ربما لأيام، وقد وجدت بنفسي طيوراً مخاطة أعينها وعلى أرجلها أحمال تمنعها حتى من الطيران وأخرى مصابة برصاص بأجنحتها وأخرى في أجسادها، ولا أدرى كم مكثت هذه الطيور تتألم قبل أن تفارق الحياة.
والحقيقة إن هذه المناظر بكل ما فيها من بشاعة تحتاج منا إلى وقفة ليقوم كل منا بدوره لرفع مستوى الوعي بالنصح والتذكير بخطورة هذا الوضع على الوطن وأهله يقول الله سبحانه وتعالى {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} نعم لقد أنعم الله علينا نعماً كثيرة لا تعد ولا تحصى فلسنا بحاجة لإبادة أمم تسبح الله لإشباع رغبات النفس الأمارة بالسوء حتى بدأنا نفقد الكثير من جمال وزينة هذه الأرض يقول الله تعالى {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} يقول بعض العلماء أن كل الكائنات الحية على الأرض هي جزء من زينة الأرض وفي بلدنا فلقد فقدنا الكثير الكثيرمن زينة الأرض، وأتذكر هنا ما قاله رجل مسن بمنطقة تهامة يدعى الشايب أحمد وذلك عام 1987م أي قبل أكثر من 27 سنة لقيته يسير وحيداً في أحد الشعاب المجاورة لقريته، يمشي متكئاً على عصاته، وقد رسمت تجاعيد السنون على محياه زينة الوقار جعلت في وجهه التي لفحته شمس تهامة نورا، والذي ما أن تحدثت معه عن الحياة الفطرية في بلادنا حتى امتلأت عيناه بالدمع وتحدث والعبرة تخنقه بلكنة أهل المنطقة «الله يرضى عليك يا ولدي لقد كنا من قريب نهش الصيد (الغزال) لنبعده عن بهائمنا من كثرتها، لازال كلام هذا الشيخ أحمد في مخيلتي كيف كانت بلادنا، وما عليها من زينة الأرض، وفي هذا السياق فقد ذكر لي أحد المهتمين بالحياة الفطرية بالمملكة ويدعى جون جاسبريتي وهو أمريكي جاء للمملكة عام 1945م للعمل مع شركة أرامكو وتوفي قبل سنوات، حين سألته لماذا اختار السعودية للعمل بها، فذكر لي أنه لما تقدم للعمل في شركة أرامكو كان يريد وظيفة بأفريقيا لحبه وشغفه بالتعرف على الحياة الفطرية بها ولكن تشاء الظروف وحاجة أرامكو لموظفين للعمل بالسعودية فلم يكن أمامه الخيار في ظل الظروف الصعبة التي كان يمر بها فجاء للمملكة مرغماً لكن كما قال «ما وطئت قدمي هذه الأرض حتى وجدت أفريقيا أخرى بها أنواعاً من الطيور والحيوانات التي لم تخطر على بالي، وما أدهشني أيضاً ما ذكره لي أن أحد الرحالة الغربيين مشى من حائل للمدينة ولم يفارق الغزلان مدى بصره.
وعليه ومن خلال منبر الصحافة ومن هذه الجريدة التي قدمت للقارئ العديد من المواد المفيدة والهادفة للمحافظة على الحياة الفطرية في بلادنا الغالية والتي هي جزء مهم مرتبطة بسلامة حياتنا وحياة أبنائنا حاضراً ومستقبلاً، لقد أدخل الله الجنة امرأة بغي لسقيها كلب، وأدخل أخرى النار لحبسها قطة، نحن نعلم أن الله يمهل ولا يهمل والمظلوم سوف يأخذ الله حقه من ظالمه في الدنيا قبل الآخرة، وما يقلقني أن يشملنا عذاب الله لسكوتنا على ما يحدث لمخلوقات الله في هذه البلاد... فهل نحن متعظون.
إن القتل والتنكيل بحياتنا الفطرية يسيء لنا ولديننا ولبلدنا وسيعود علينا بالخسارة في الدنيا والآخرة، نعم خسارة مادية بالدنيا، ولتوضيح الخسارة التي ظهرت للعلماء من جراء العبث بميزان الله في الأرض وما عليها بغرض رفع الاقتصاد بدون النظر لما على الأرض من مخلوقات حية وجامدة وهي مكونات البيئة، وأود أن أستعرض سؤالاً ورد في كتاب باللغة الإنجليزية بعنوان «ماذا قدمت البيئة لنا» حيث سأل الكاتب ويدعى توني جونبر هل الاقتصاد يملك البيئة؟ فالإنسان يتوسع في التطوير ويقضي على البيئات الساحلية والغابات ليرفع من الاقتصاد والدخل وكأن الاقتصاد يملك البيئة، ولكن الحقيقة والتي أظهرها العلماء من خلال الدراسات والأبحاث تشير إلى أن الاقتصاد هو منتج ومِلْك للبيئة، فمتى حافظنا على البيئة حافظنا على الاقتصاد ليس لفترة وجيزة لكن لسنين عديدة، وفي الوقت الحالي يعكف علماء البيئة لمعرفة القيمة الاقتصادية التي تقدمها البيئة حولنا حتى الاقتصاديون في الدول المتقدمة بدؤوا بالنظر في ذلك، كذلك الاتفاقيات الدولية للبيئة ومنها ما يعرف بضريبة الكربون، وذلك من خلال التعويض للخدمة التي تقدمها البيئة ممثلة بالبحار والغابات والتربة للتخلص من ثاني أكسيد الكربون. فالبحار والمحيطات تقوم من خلال الكائنات الصغيرة تعرف بالبلانكتون النباتية بامتصاص والتخلص من ثاني أكسيد الكربون وفي نفس الوقت تقدم لنا مثله أكسجين، وتشير دراسة أخرى أن ما تقدمه البيئة السليمة وما بها من أنظمة بيئية ومكوناتها الحية من نباتات وحيوانات من خدمات للبشرية، وذلك من خلال تحليل حسابي لحوالي 17 نظاماً بيئياً منتشرا في 16 من الأقاليم الأحيائية بالعالم بحوالي 33 تريليون دولار (Costanza et al. 1997)، هذا المبلغ بسعر قبل عام 1997م فماذا يمكن أن تكون عليه تكلفة هذه الخدمات في الوقت الحالي، فالبيئة ومكوناتها تقوم بتنظيم المناخ وتخصيب التربة، وتلقيح المحاصيل وتنقية المياه ناهيك عما تقدمه الحيوانات والطيور، ولتشعب هذا الموضوع وحداثته فسوف أركز حديثي بشكل خاص عن الطيور ودورها كأحد مكونات النظام البيئي وما تقدمه لنا من خدمات ذات قيمة اقتصادية كبيرة جداً وسأبدأ بدراسة بسيطة قمت بها خلال موسم التكاثر الماضي تتلخص في التعرف على دور الطيور في التخلص من الحشرات، حيث قمنا بمراقبة ثلاثة أنواع من الطيور خلال تعشيشها بمنطقة تنومة هي: آكل الذباب كامباكا الجزيرة ونقار الخشبلعربي، والزرزور بنفسجي الظهر وهي من الطيور المقيمة بالمنطقة الجنوبية الغربية، حيث تم حساب كمية الحشرات التي تتغذى عليها هذه الطيور حيث لاحظنا أن كل فرد من الأزواج الثلاثة يصل للعش حاملاً من 1-4 يرقات وحشرات للعش وذلك كل 3-5 دقائق، ولو قدرنا من هذه الملاحظة متوسط وزن الغذاء ومتوسط الزمن للحصول على الغذاء لأمكننا تقديركمية الحشرات التي تم التخلص منها، وبتطبيق حسابات بسيطة فإن ما يحصل عليه كل فرد حوالي 2 جراما كل ثلاث دقائق، هذا يعني أن كل فرد يستهلك 60 جراما من الحشرات في الساعة وفي اليوم الواحد بحساب 10 ساعات النهار فهذا يعني أن كل فرد من هذه الطيور ربما يقوم بالتخلص من 600 جرام من الحشرات يومياً، وإذا علمنا أن فترة التكاثر تصل إلى 3-4 أشهر حتى استقلال الصغار، هذا يعني أن الفرد البالغ منها يقوم بالتغذي على 5.400 كجم من الحشرات، وإذا علمنا أن عدد هذه الطيور البالغة حسب تقديرات كتاب أطلس الطيور بالجزيرة العرية (Jennings 2010) أن هناك 100.000 زوج من آكل الذباب و80.000 من الزرزور بنفسجي الظهر، وحوالي 7500 زوج من نقار الخشب، وهذا يعني أن لدينا حوالي 375.000 فرداً من الطيور البالغة تستهلك حوالي 2.025 طن من الحشرات في الموسم الواحد، وهذه خدمة مجانية تقوم بها هذه الطيور فلو أردنا أن نقوم بذلك لكلفنا مبالغ طائلة ناهيك عن الأضرار التي يمكن أن تسببها المبيدات، ولو تحدثنا عن جميع الطيور المقيمة والمهاجرة والتي تتغذى على الحشرات خلال عبورها الجزيرة العربية لزادت الخدمات البيئة المجانية المقدمة.
ومن الدراسات الأخرى التي تشير لخدمات الطيور البيئة دراسة على قبرات ميدوي الغربية بوادي يعرف بوادي ساكرامتبو بولاية كاليفورنيا أنها تتغدى على 193 طن من الحشرات يومياً خلال موسم التكاثر، كما أشارت إلى أن الطائر الأسود يقوم بالتغذي على 4.260 طن من اليرقات والحشرات، وعليه فقد قام الباحثون المشاركون بهذه الدراسة بحساب تكلفة هذه الخدمات بدلاً من هذه الطيور فتوصلت إلى الطيور وفرت مبلغ 444 بليون دولار والتي كانت ستصرف للقضاء على الحشرات التي تخرب المحاصيل الزراعية.
ومن الدراسات الأخرى التي تشير إلى أهمية الطيور هي ما يشير إلى إمكانية نقل الطيور لبذور النباتات حيث سجل في معدة 100 طيور بط الخضاري حوالي 83 نوعاً من البذور، وهذه النباتات لوحظ إنباتها في مناطق حركة هذه الطيور. ليس هذا فحسب فقد لوحظ نقل الطيور للمواد العضوية الغابات في آسيا حيث زادت نسبة الغابات 85% خلال أربع عشرة سنة بعد أن تم استزراع أشجار لأنواع من الغرانيق باليابان. وللمعلومية فقد نشبت حرب بين البيرو الجزيرة تشيلي من دول أمريكا الجنوبية على مخلفات الطيور البحرية والتي تعرف بالجوانو والتي كان من أهم مواد التسميد للتربة الزراعية بالقرن الماضي لاحتوائها على المواد العضوية والفوسفات. إن الحفاظ على التنوع الفطري وسلامة البيئة هو جزء مهم في إقصاد الدول وجزء أساسي من أمنها القومي، ودخلت في دهاليز السياسات الدولية، فهذه الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي توقعها الدول للمحافظة على التنوع الأحيائي، وأتذكر وأنا أشارك في اجتماع الأعضاء في مذكرة الطيور الجوارح كيف وقفت جنوب أفريقيا تطالب الهند وقف قتل صقر أميور واسمه العلمي Flaco amurensis وذلك لأن هذا الصيد الجائر كلف جنوب أفريقيا مبالغ كبيرة، مستندة على دراسة قام بها هينك بومان وجريج سيمس وهانالين دوبليسيس ونشرت عام 2012م في موقع البيرد لايف جنوب أفريقيا، والتي تشير أن هذه الصقور الصغيرة تقوم بالتخلص من أكثر من 2.5 بليون نملة بيضاء خلال تواجدها في جنوب إفريقيا في فترة الشتاء والتي تصل من 3-4 أشهر، واستند ممثل جنوب أفريقيا على ما تداولته وسائل التواصل الاجتماعي والتي أشارت للدراسات التي قدرت أعداد الصقور التي تم قتلها أو مسكها بالهند بين عامي 2006-2012م بحوالي 120-140 ألف صقر أميور، وهذا ما جعل الكثير من المنظمات البيئة والزراعية بجنوب أفريقيا تطالب بوقف قتل هذه الصقور بالهند لما لها من تأثيرات بيئية واقتصادية يمكن أن تؤثر على جنوب أفريقيا نتيجة ما يحدث من صيد جائر لهذه الطيور بالهند.
ومن هذه الحادثة أود أن نتوقف عندها لنستفيد درساً مهماً، وهو أن موضوع صيد هذه النوعية من الصقور عرف من فترة طويلة بالهند ولكنه زاد بشكل كبير مع التغيرات الاقتصادية في السنوات الأخيرة، لكن ما جعل الوضع يتأزم هو تصوير هذه الظاهرة ونشرها عبر قنوات التواصل مما أثار حفيظة العاملين بحماية الطيور والحياة الفطرية، وهنا أود أن أشير إلى أن الكثيرين ممن يخالفون الأنظمة ويصيدون الطيور المهاجرة بشكل جائر إنهم يؤثرون على الوطن وأهله فنشر الصور يمكن أن تؤثر على علينا نحن هنا في هذه البلاد وتعطي صورة غير صحيحة عن الإسلام والمسلمين، بل حتى على حياتنا وأتذكر قصة رجل أحتفظ باسمه قد قابلته خلال زيارتي لمنطقة القحمة كان كما ذكر لي محباً بالبر شغوفاً بالصيد وكان ممن إذا صادوا أسرفوا وكما قال لم أترك كائناً يدبي على هذه الأرض إلا أفنيته فلم يترك كل ما وصلت إليه بندقيته فقتل صغار الظباء وقتل الحامل منها فلم يرحم أحداً، ولازلت أتذكر حديثي معه وعيناه تفيض بالحزن.. والعبرة في حديثه مستشعراً كبر ذنبه، يقول وأنا في خضم ذلك تزوجت وكلي أمل في الذرية الصالحة، وكانت كلما حَملت زوجتي استبشرت ولم يقدر الله وما شاء فعل يموت الجنين خلال الحمل أو بعد الولادة استمر ذلك لمدة أربعة عشر سنة، ذهبت لعدد من الأطباء والمشايخ وصرفت من المال الكثير لكن دون جدوى، وفي أحد الأيام قابلت في زيارتي لإحدى المدن الكبيرة إمام مسجد بعد صلاة العصر وطلبت منه أن يقرأ علي ففعل ودعاني لبيته ودارت بيني وبينه حديث عن حياتي وما كنت أعمل فاستوقفني الشيخ وقال لي يا بو محمد يقول الله سبحانه وتعالى في سورة آل عمران {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} إن ابن القيم ذكر أن الحيوانات والبهائم تشكو إلى الله عز وجل من العاصين والفاسقين، لأنه بهم وبمعصيتهم يمنع الله عز وجل القطر من السماء، ويقع الجدب في الأرض، وتقع البلايا والرزايا، وما لهذه البهائم من ذنب، ولكنه ذنب هذا الإنسان الذي استعلى على الله عز وجل وتجبر وتكبر وطغى وبغى وفسد في هذه الأرض، ولا يألو على شيء، فيسير هنا وهناك، وينسى قبضة الله عز وجل وقوته وقهره، ولذلك تشكو هذه الحيوانات، وكما قيل: لولا شيوخ ركع وأطفال رضع وبهائم رتع لم تمطروا، فإن الله سبحانه وتعالى ما أنزل عقوبة إلا بذنب، ولربما ذنبك لس الصيد ولكن ربما تكون معصيتك بعدم إطاعة ولي الأمر فصيد الغزلان محظور حسب علمي بأمر ولي الأمر وطاعة ولي الأمر من طاعة الله يقول الله سبحانه وتعالى في سورة النساء {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}، فهناك أنظمة وتشريعات وضعتها الدولة للحفاظ على هذه المخلوقات فهي مسؤولة منا... قال ما إن انتهى الشيخ من حديثه حتى مرت علي كل أفعالي بالحيوانات وكان من أهمها تلك الظبية التي أخذت صغيرها وهي تصيح بصوت لم أعده من الظباء وتتبعني تارة وتقف تارة لترمقني بعينها عن بعد... والله لكنت أرى الدمعة في عينها على صغيرها ولم يحرك في بداخلي بذلك الوقت شيء، قال خرجت من عند ذلك الشيخ وقد عاهدت نفسي أن أتوب من هذه الأفعال بل زدت على ذلك بأن أفك الأسير منهم وأضع الماء في الصيف في أحد الأودية وبحمد من الله فلم تمر السنة حتى رزقني الله بأول مولود سليم ومن بعدها والحمد لله كل أولادي السبعة من بنات وأولاد بصحة وعافية والآن أنا استعد لتزويج الكبير منهم.
ومن الخسائر التي أراها نتيجة الصيد الجائر للكائنات الفطرية في بلادنا هي خسارة مداخيل السياحة البيئة لمشاهدة الحياة الفطرية في بلادنا والتي بدأت تنظر للسياحة بنظرة واعدة فهذه السياحة منتشرة في كثير من الدول في العالم ويمثل مصدراً اقتصادياً مهماً لمداخيلها منها كينيا وتنزانيا وأستراليا والإكوادور واندونيسيا والبرازيل ودول البحر الكاريبي فالسياح يأتون لهذه المناطق لمشاهدة الحياة الفطرية سواء كانت برية أو بحرية، وهناك تقارير تشير إلى أنه في عام 1990م كان دخل العالم من السياحة للحياة الفطرية 233 بليون دولار، منها 78 بليون دولار لها علاقة بمشاهدة الطيور البرية، كما أن دول أمريكا اللاتينية استثمرت أكثر من 21 بليون دولار في السياحة البيئة عام 1997. وقد ازداد الطلب على هذا النوع من السياحة في السنوات الأخيرة الماضية وأصبح هناك سوقاً عالمياً لمثل هذه الصناعة فهناك في بريطانيا وحدها حوالي مليون محب لمشاهدة ومراقبة الطيور، ينفقون الملايين من الجنيهات سنوياً في السفر لمشاهدة أنواع جديدة، وفي هولندا يمثل عدد المحبين لمراقبة الطيور والحياة الفطرية أكثر من 30% من عدد السكان، كما أن هناك معارض سنوية تقام خلال الصيف في كلٍ من الولايات المتحدة وبريطانيا لسياحة الحياة البرية يسوق من خلالها العديد من البرامج لمشاهدة الطيور بصفة خاصة و الحياة البرية بصفة عامة في مختلف بلاد العالم منها دول عربية كالأردن ومصر والتي تسوق لزيارات لمناطقها المحمية. وقد بدأت الكثير من دول العالم الثالث بتطبيق هذا النوع من السياحة حتى في دول الخليج العربي ففي البحرين هناك شركات سياحية تقوم بجلب العديد من السياح من أمريكا و أوروبا لمشاهدة الطيور المهاجرة للمنطقة في فصل الشتاء، وفي عُمَان هناك العديد من البرامج لزيارة المحميات الطبيعية ولمشاهدة الأحياء الفطرية بها، وفي الأردن أقيمت مشاريع سياحة بيئية بالمحميات تجلب للبلاد دخلاً مهماً وقد قامت مؤخراً الجمعية الملكية لحماية الطبيعية ببناء سوق في موقع مهم في وسط العاصمة عمان لبيع منتجات السكان المحليين بالمناطق المحمية على السائحين، والتي تحمل صبغة بيئية ومنتجة من مواد أعيد تدويرها أو طبيعية تساهم في الحفاظ على البيئة، وكذلك تخفف الضغوط البيئية على المنطقة الناتجة من زيادة النشاطات البشرية كالتحطيب والرعي.
إن ما يحدث من صيد جائر وتنكيل بحياتنا الفطرية في هذه البلاد... بلاد الإسلام فيه خسارة اقتصادية علينا وعلى الأجيال القادمة وفوق كل ذلك فيه غضب من الرحمن وعذاب أليم للمفسدين في الأرض، وما يفزعني هو أن يسلط الله علينا مترفينا فيفسقوا بالأرض بقتلهم مخلوقات الله... ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.