وزير الإعلام يرعى ملتقى المسؤولية المجتمعية الثاني    إسرائيل: وحدة «كوماندوز» بحرية اعتقلت قيادي في حزب الله بالبترون في شمال بيروت    إحباط تهريب (375) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر في جازان    تعليم الطائف ينهي الاختبارات العملية .. و1400 مدرسة تستعد لاستقبال 200 ألف طالب وطالبة    بلدية محافظة البكيرية تنفذ فرضية ارتفاع منسوب المياه وتجمعات سطحية    في الجوف: صالون أدب يعزف على زخات المطر    المملكة تُعلن عن اكتشاف أكبر موقع تعشيش للسلاحف البحرية في البحر الأحمر    منطقة الجوف تكتسي بالبياض إثر نزول البرد مع هطول الأمطار الغزيرة    فان نيستلروي: يجب أن نكون وحدة واحدة لنحقق الفوز على تشيلسي    الهلال يطوي صفحة الدوري مؤقتاً ويفتح ملف «نخبة آسيا»    جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل تعقد المؤتمر العالمي لطب الأعصاب    اكتشاف قرية أثرية من العصر البرونزي في واحة خيبر    الأردن: لن نسمح بمرور الصواريخ أو المسيرات عبر أجوائنا    رونالدو يعلق على تعادل النصر في ديربي الرياض    إطلاق مهرجان هيئة تطوير محمية الملك سلمان بن عبد العزيز الملكية    وسم تختتم مشاركتها في أبحاث وعلاج التصلب المتعدد MENACTRIMS بجدة    حقيقة انتقال نيمار إلى إنتر ميامي    «الداخلية»: ضبط 21370 مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود.    تاليسكا يُعلق على تعادل النصر أمام الهلال    السعودية تعرب عن قلقها إزاء استمرار القتال في السودان الشقيق وتصاعد أعمال العنف التي طالت المدنيين من نساء وأطفال    مرثية مشاري بن سعود بن ناصر بن فرحان آل سعود    الفرصة لاتزال مهيأة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    مثقفون يناقشون "علمانيون وإسلاميون: جدالات في الثقافة العربية"    معدل وفيات العاملين في السعودية.. ضمن الأدنى عالمياً    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع    آلية جديدة لمراجعة أجور خدمات الأجرة عبر التطبيقات    أمانة القصيم تقيم المعرض التوعوي بالأمن السيبراني لمنسوبيها    انطلاق فعاليات "موسم التشجير السنوي 2024" ، تحت شعار "نزرعها لمستقبلنا"    الكلية التقنية مع جامعة نجران تنظم ورشة عمل بعنوان "بوصلة البحث العلمي"    هيئة الهلال الاحمر بالقصيم ترفع جاهزيتها استعداداً للحالة المطرية    أروماتك تحتفل بزواج نجم الهلال "نيفيز" بالزي السعودي    ارتفاع حصيلة ضحايا انهيار سقف محطة قطار في صربيا إلى 14 قتيلاً    وقاء جازان ينفذ ورشة عمل عن تجربة المحاكاة في تفشي مرض حمى الوادي المتصدع    ماسك يتنبأ بفوز ترمب.. والاستطلاعات ترجح هاريس    الحمد ل«عكاظ»: مدران وديمبلي مفتاحا فوز الاتفاق    المذنب «A3» يودِّع سماء الحدود الشمالية في آخر ظهور له اليوم    الرياض تشهد انطلاق نهائيات رابطة محترفات التنس لأول مرةٍ في المملكة    تصعيد لفظي بين هاريس وترامب في الشوط الأخير من السباق للبيت الابيض    حائل: إطلاق مهرجان هيئة تطوير محمية الملك سلمان بوادي السلف    البدء في تنفيذ جسر «مرحباً ألف» بأبها    مبدعون «في مهب رياح التواصل»    أمير المدينة يرعى حفل تكريم الفائزين بجوائز التميز السنوية بجامعة الأمير مقرن بن عبدالعزيز    الطائرة الإغاثية السعودية السابعة عشرة تصل إلى لبنان    ما الأفضل للتحكم بالسكري    صيغة تواصل    هاتف ذكي يتوهج في الظلام    الدبلة وخاتم بروميثيوس    أماكن خالدة.. المختبر الإقليمي بالرياض    السل أكبر الأمراض القاتلة    الأنساق التاريخية والثقافية    هوس التربية المثالية يقود الآباء للاحتراق النفسي    «الرؤية السعودية» تسبق رؤية الأمم المتحدة بمستقبل المدن الحضرية    عمليات التجميل: دعوة للتأني والوعي    المرأة السعودية.. تشارك العالم قصة نجاحها    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان ملك إسبانيا إثر الفيضانات التي اجتاحت جنوب شرق بلاده    مدير هيئة الأمر بالمعروف في منطقة نجران يزور مدير الشرطة    أمير منطقة تبوك ونائبه يزوران الشيخ أحمد الخريصي    لا تكذب ولا تتجمّل!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هجرة الطيور
د. محمد بن يسلم شبراق
نشر في الجزيرة يوم 27 - 07 - 2012

أكتب هذا المقال الخاص بالطيور المهاجرة وذلك لما لاحظته في هذه الصحيفة من حرص على تعريف المواطن والمقيم بما هو مهم خاصة فيما يتعلق بالبيئة وحمايتها، كما أن صحيفة الجزيرة حريصة على نشر رأي الكتاب بحيادية تامة، كما أنه من خلال تجربتي مع الصحيفة بنشر موضوع النسور والذي ترجمته عدد من المنظمات العالمية مما يدل على عالمية ما يقدم من جريدتكم الغراء.. وعليه أحببت أن أشارك من خلال صحيفة الجزيرة في نشر الوعي البيئي لخدمة هذا البلد المعطاء. وللمعلومية فإن المملكة قد وقعت على إتفاقية التنوع الأحيائي ومن خلالها فقد وافقت جميع الدول على حماية التنوع الأحيائي، وتم وضع خطة تعرف بأهداف أيتشي لحماية التنوع الأحيائي وذلك بحلول عام 2020م.. وعليه فإن التوعية بالبيئية والتي تقومون بها جزء مهم لمشاركة العالم في المحافظة على التنوع الأحيائي على العالمي فوق أمنا الأرض. وعليه ومن خلال هذا المقال أشارك معكم ومن خلالكم للتوعية بالمحافظة على كل ما له علاقة بالتنوع الأحيائي في بلادنا الحبيبة أبدؤها بالتعريف بأحد أهم حدث سنوي طبيعي قرب حدوثه وتمثل أحد معجزات الخالق سبحانه وتعالى ألا وهي معجزة الهجرة للطيور والتي تتحرك كل عام بأعداد تصل إلى حوالي خمسة مليارات طائر سالكةً مسارات محددة وخطرة، قاطعة آلاف الأميال متحدية الكثير من الصعاب من قلة الغذاء ومفترسات، عابرة تضاريس مختلفة صحارى وجبال وبحار، سالكة مسارات محددة لتصل لوجهتها لمناطق مختارة بعناية، تتوقف في أماكن تعرفها جداً، يقول الله سبحانه وتعالي: {َأوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْر مُسَخَّرَات فِي جَوّ السَّمَاء مَا يُمْسِكهُنَّ إِلَّا اللَّه إِنَّ فِي ذَلِكَ لِآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}. ويقدر العلماء أعداد الطيور المهاجرة سنوياً بحوالي خمسة مليار طائر منها نصف مليار تمر فوق المملكة.
لقد لعبت الطيور دوراً كبيراً في مسيرة البشرية على الأرض ولازالت، فقد أرسلها الله لتعلم الإنسان كيف يدفن موتاه، وهذا ذكر بكتاب الله في قصة ابني آدم (هابيل و قابيل)، وهذا أول درس للإنسان قدمه الغراب ليعرف بالطريقة المتبعة في التعامل مع الموتى. وهذا طائر الهدهد والذي يطلق عليه بعض علماء الدين بالموحد لأنه بعدما رأى عرش ملكة سبأ وحّد الله رب العرش العظيم، كما لقّبوه بالشجاع من واقع قصته مع نبي الله سليمان عليه السلام، فقد جلس بالقرب من نبي الله سليمان بالرغم من علمه بغضبه عليه، وهذه شجاعة، وثقة بالنفس. وهناك قصة الطير الأبابيل التي أرسلها الله للقضاء على جيش أبرهة الأشرم الذي بغى في الأرض وأراد أن يهدم الكعبة المشرفة، كما أن الله جعلها عبرة وعظة لبني البشر لمعرفة خالقة سبحانه وتعالى من خلال التعرف على قدرتها وأسلوبها بالطيران. لقد كانت الطيور ومازالت مصدراً لإلهام الإنسان حول العالم وعبر العصور فقد ألهمته الرغبة بالطيران حتى أصبح الإنسان ينتقل من الشرق للغرب في ساعات معدودة، كما أن ألوان الريش ألهمت الفنانين فظهرت في رسوماتهم، والأدباء في قصصهم وأشعارهم حتى أصحاب الموضة استلهموا من الطيور وهجرتها إبداعات زادت من ثراء الثقافة البشرية. فهذه العملات النقدية في كثير من الدول منها العربية ومنها الأجنبية منها القديم ومنها الحديث والتي رسمت الطيور في عملاتها، كما أن عدد من الدول جعلت من بعض الطيور شعاراً لها فالعقاب في الشعار الأمريكي ونسر الكوندور في عدد من دول أمريكا الجنوبية كبوليفيا يعتبر رمزاً للقوة والعلاج من الأمراض.
لقد سخّر الله أمّة الطيور للإنسان لتساعده على العيش على هذه الأرض فمدّته بلحومها وبيضها كغذاء، واستمتع بالنظر إلى ريشها وألوانها فألهمت الفنانين والأدباء لتقديم فنون عظيمة أسعدت الإنسانية على مر العصور ومن ناحية أخرى فالطيور دخلت في ثقافة وحضارة الشعوب بعضها يدل على الخير وآخر يدل على الشر، فهده البومة ترمز عند بعض الشعوب إلى الحكمة والمعرفة، وعند شعوب أخرى تدل على الموت والظلام، وبعضها دخل في أساطير بعض البلدان فهذا طائر اللقلق الأبيض مذكورة في أساطير شمال أوروبا أن الأطفال يأتون مع هذا الطائر، وقد أشارت الأفلام الكرتونية بالوقت الحاضر إلى هذه الأساطير حيث تصور هذه الطيور تحمل الصغار في لفافة من القماش بمناقيرها وتنقلها عبر مداخن المنازل. وهناك طيور الغرانيق والتي ترمز في ثقافة العديد من الدول الآسيوية إلى طول العمر والخلود، وهذه الطيور يعرف عنها أنها معمرة وقد سجل أطول عمر لها كان لطائر الغرنوق السيبيري فقد عمّر حوالي 83 عاماً.
وبالمملكة ودول الخليج نجد أن الطيور المهاجرة لعبت دوراً في حياة أهل المنطقة، فهذه الصقارة تشهد على ذلك حيث شكل الصيد بالصقور جزءاً كبيراً من تراث هذه المنطقة حتى أن منظمة اليونسكو عام 2010م اعتبرت الصقارة تراث بشري عالمي علينا الحفاظ عليها، وليس أجمل من وصف الشعراء لصقورهم لما فيها من عشق غريب حتى أن بعضهم وكأنه يصف محبوبته غاية في الجمال، فهذا شاعر نبطي يصف طيره:
طيرن جليل وحاوين كل شاره
صدره عريض ومقرن الريش ملموم
بياض راسه فارق عن شقاره
عاري بدن من كثرت الريش محروم
فخذه الي جسته سوات الخياره
والساق كنه من القصر مقطوم
افجح سراويله اطوالا اتباره
كنه يغطى اكفوفه الخشن بالهدوم
وللطيور المهاجرة أهمية بيئية فهي تعتبر مؤشراً للتغير بالتنوع الأحيائي، فزيادة أعدادها أو نقصها أو تغير في مناطق توقفها خلال هجرتها يلعب دوراً في التعرف عن التغيرات البيئية الحاصلة للمنطقة، وقد بدأت منظمات ودول بمتابعة التغيرات في أعداد الطيور المهاجرة في مناطق هجرتها، وأصبحت تقوم بمتابعة سنوية لهجرة الطيور فيما يعرف بالتعداد الشتوي العالمي، وكان لنتيجة هذا التعداد التعرف على التغير في أعداد الطيور المهاجرة وأسبابه. والطيور المهاجرة تلعب دوراً في النظام البيئي فهي تتغذى على الحشرات والقوارض وهذا يوفر مبالغ كبيرة يمكن أن تصرف في المبيدات الحشرية، كما تستخدم كمقاومة بيلوجية للتخلص من الحشرات الضارة. ولو علمنا أن هناك طيوراً مهاجرة تغير في تغذيتها خلال هجرتها نعرف أن الله سخّرها لهذا الدور وأن الهجرة ليست رحلة للسياحة ولكنها حياة أخرى، ففي دراسة عن عقاب السهول وجد أن من أهم عنصر في غذائه بمناطق تعشيشة بالشمال نوع من القوارض، وخلال هجرته يركز في تغذيته على الحيوانات النافقة، وعندما يصل لأفريقيا تزيد نسبة الحشرات في غذائه، وهذا يدل أن لهذه الطيور المهاجرة دوراً في النظام البيئي.
ومثال آخر عن دور الطيور بالنظام البيئي ما تقوم به النسور لتخلصنا من الحيوانات النافقة مما يقلل من خطر انتشار الأمراض، وتشير دراسة أخرى إلى أن الطيور المهاجرة تقدم خدمات بيئية جليلة للبيئة فهي تعمل على نشر البذور خاصة في الغابات والمناطق الحشائشية. ومن الأمثلة على دور الطيور المهاجرة في النظام البيئي البحري، فنجد أنها على قائمة الهرم الغذائي في البيئة البحرية، وعليه فعلماء البيئة يستخدمونها كمؤشر حيوي للتعرف على التغيرات في البيئات البحرية، فهي تتغذى على الأسماك والقشريات وهذه الحيوانات تتغذى بدورها على أسماك أخرى وطحالب وقشريات، وبذلك فإن أية ملوّثات تحدث في البيئة البحرية سوف تتركز بشكل واضح بالطيور البحرية، كما أن تجمّعها في مناطق محددة خلال موسم التعشيش، يسهل الحصول على عينات للتحليل والمتابعة، بعكس الأنواع البحرية الأخرى التي يصعب الحصول على عينات بسهولة وبشكل منتظم، وقد أشارت إلى ذلك إحدى الدراسات بكندا التي قامت بمتابعة المعادن الثقيلة بإحدى المناطق البحرية لمدة 160 عاماً عن طريق تحليل عينات من ريش طيور موجودة بمتاحف جمعت من نفس المنطقة، كما أنّ الطيور البحرية ارتبطت بسكان السواحل، وفي منطقة البحر الأحمر والخليج العربي، نجد أنها وفّرت لهم مصدراً للغذاء خلال مواسم معينة من العام، معروفة إلى الآن، فهناك موسم الجراجيح بجزر فرسان حيث موسم بيض الطيور، والذي كان مصدراً مهماً للبروتين في أوقات معينة من السنة، في أوقات كان الناس يعانون من قلة الموارد، أما الآن والحمد لله أصبح الناس في نعمة من العيش ليسوا في حاجة للتغذية على هذه الطيور وبيضها، ولكن للأسف الشديد فقد زادت نسبة الصيد وأخذ البيض في السنوات الأخيرة يقل مما ينذر بفقد أحد مخازن الغذاء الطبيعية بالمنطقة، وللمعلومية فقد عرفت أنواع من الطيور البحرية كالغاق السقطري وطيور الخرشنة أنها كانت ولا تزال ترشد الصيادين على مواقع صيد السمك، فهي تقوم بالصيد الجماعي مما يمكن الصيادين من مشاهدتها من مسافات بعيدة، ولتفسير هذه العلاقة فإنّ هذه الطيور تقوم بمتابعة مجموعات الأسماك الصغيرة وهذه المجموعات يتبعها أيضاً أسماك كبيرة، لذا فإنّ اكتشاف هذه الطيور لهذه التجمعات للأسماك يدل الصيادين على مواقع الصيد الجيدة. كما يعرف في خليج عدن استخدام المخلفات التي تتركها هذه الطيور البحرية بعد موسم التعشيش كسماد للزراعة ويعرف هذا السمادبالجوانو، ولا يقتصر الأمر على هذا فحسب فتغذية الطيور على الأسماك يجعلها في وضع يمكننا من تقييم وضع الأسماك بالمنطقة، فقلة الأسماك الصغيرة الموجودة في مجموعات تتغذى عليها الطيور والأسماك الكبيرة، فنقص عدد الطيور المعششة بالمنطقة ربما يكون ناتجاً من قلة الأسماك التي تتغذى عليها، وهذا سوف يؤثر على الأسماك الكبيرة التي تمثل مصدراً اقتصادياً لدول الإقليم، بالإضافة إلى ذلك أن الطيور البحرية خلال موسم التعشيش تتجمّع بكميات كبيرة على شواطئ الجزر لتنظيف ريشها والذي يمتلئ بالمخلفات العضوية الناتجة من مخلفات الغذاء أو البراز، وهذه المواد العضوية التي تخرجها هذه الطيور خلال تنظيفها لريشها لها دور في النظام البيئي، فبرازها يعتبر سماداً للأحياء العالقة في مياه البحر والتي تسمى البلانكتون، وهذه الكائنات تعتبر غذاءً مهماً لكثير من الكائنات البحرية كالمرجان وبعض الأسماك، كما أن هذه الكائنات تقوم بعملية البناء الضوئي والتي ينتج منها غاز الأكسجين، وهذا يساهم في تنفس الكائنات البحرية الأخرى.
ولا يقتصر دور الطيور المهاجرة على ذلك، بل كان لها دور في رفاهية الإنسان من خلال السياحة البيئية، فهناك الكثيرين ممن يسافرون لمناطق عدة لمشاهدة الطيور البرية والمهاجرة ويصل دخل السياحة لمراقبة الطيور بالعالم إلى حوالي بليون دولار سنوياً، ناهيك عن تجارة الأدوات الخاصة بهذه السياحة كالمناطير المقرّبة والكتب المتخصصة عن طيور تلك المناطق وغيرها من المصاحبة، وقد لعبت هذه السياحة دوراً في حماية المواطن للطيور وكذلك في رفع المستوى المعيشي للسكان المحليين، وليس هذا فحسب، فهناك الصيد المنظم للطيور المهاجرة والذي بما فيه من رفاهية بالوقت الحالي، إلاّ أنه من الناحية الاقتصادية يمكن أن يكون مصدراً للدخل بالمنطقة.
ولو نظرنا إلى أنواع الطيور المهاجرة المسجلة بالمملكة العربية السعودية نجد أنّ هناك 25 نوعاً من الطيور المهددة بالانقراض أو قريبة من التهديد، منها أبو منجل الأصلع الشمالي والذي وصل وضعه حسب تصنيف الاتحاد العالمي للصون إلى الخطر الحرج (Critically Endangered)، حيث سجلت سبعة أفراد في صحراء تذمر قبل سنوات واليوم لم يبق منها أربع في سوريا، وقد حالت عدد من المنظمات حمايته وشاركت عدد من الجهات منها الهيئة السعودية لحماية الحياة الفطرية لمتابعة هجرتها والمخاطر التي تواجهها، كما قامت ببرامج توعوية أدت ثمارها بشكل تكلم العالم عنها، فهذا الشخص الذي قتل إحداها قام بتصوير أفراد أخرى في موسم الهجرة التالي، والحقيقة أن هناك الكثيرين الذين غيّرتهم محبة الطيور حيث كانوا صيادين وأصبحوا الآن يشار لهم بالبنان في توثيق الحياة الفطرية في بلادنا.
ومن الطيور المهاجرة الأخرى عبر المملكة والمهددة بالانقراض والتي وصل تناقص أعدادها خلال العشر سنوات الماضية إلى أكثر من 60%، الزقزاق الاجتماعي، وكروان الماء إسطواني المنقار، فبالنسبة للنوع الأول لازالت أعداد منه تمر فوق المملكة، أما الثاني فهو من الأنواع النادرة جداً وربما يعلن خلال السنوات القادمة انقراضه، حيث لم يسجل منذ أكثر من عشر سنوات، وفي المملكة سجل قبل أكثر من 27 سنة بمنطقة وادي جيزان.
ومن الطيور الأخرى المهددة بالانقراض بشكل خطر (Endangered) فعددها أربع هي البط ذو الرأس الأبيض والصقر الحر، ودخل قصب البصرة، الرخمة المصرية، أما مجموعة الطيور ذات الوضع المتذبذب (Vulnerable) فيصل عددها بالمملكة حوالي 15 نوعاً تقريباً، يصل عدد الطيور المهاجرة منها سبعة أنواع من أهمها الغاق السقطري وهو من الطيور المتوطنة بالخليج العربي، والعويسق (العوسق الصغير)، عقاب السمك والاس، والعقاب الكبير المنقط، والعقاب الإمبراطوري الشرقي (المجموعة الموجودة بوسط آسيا، إلى الصين)، وطائر الحبارى. أما الباقي فهي طيور قريبة من التهديد (Near Threatened) ويصل عددها بالمملكة 14 نوعاً، وهذه طيور تناقصت أعدادها لكنها لم تصل إلى الحد لوضعها ضمن الأنواع المهددة بالانقراض.
ويعتقد الكثير من العلماء أن تدخلات الإنسان ونشاطاته أدت إلى تدهور أعداد الطيور بشكل عام والطيور المهاجرة بشكل خاص، فمثلاً تدهور البيئات للطيور المهاجرة مثل ردم السواحل والتي أثرت على الطيور المهاجرة بشكل أدى إلى اختفاء المناطق المهمة لتوقف الطيور للراحة، خاصة الطيور التي تطير ذات الحركة الطويلة فهي تقطع أكثر من 5000 كيلو متر بشكل متواصل يفقد خلالها الطائر 40% من وزنها، وهذا يعني أنه عندما يصل لمناطق الراحة يجب أن تكون بها كمية غذاء كبيرة، وهذه تتوفر في المسطحات الطينية بالمنطقة الساحلية، لكن ردم السواحل يؤدي إلى تأثر هذه الطيور، ويمكن أن نشبه ما يحصل بحركة المسافر والذي يسير بسيارته لا يتوقف إلا بمحطة على بعد 400 كيلومتر وعندما يصل يجد أن المحطة مغلقة أو لا يوجد بنزين بها أو اختفت، وهذا ما يحدث الآن مع الطيور المهاجرة، فقد اختفت مناطق مهمة لأنواع من الطيور والتي كانت تطير لمسافات طويلة بدون توقف لتصل إليها للتغذية والراحة، ولكن تجدها قد ردمت أو اختفت كما يحدث الآن في خليج تاروت وجازان وسواحل أخرى بالمملكة.
ومن المعوقات الأخرى الصيد الجائر وغير المنظم على الكثير من الطيور المهاجرة كصفاري والرهو والقماري، مما أدى إلى تناقص أعداد هذه الطيور بشكل ملفت للنظر، ناهيك قطع الأشجار والرعي الجائر والتي تؤثر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على الطيور المهاجرة. ومن المهددات لهجرة الطيور، التلوث والتسميم، بالإضافة إلى ما يُعرف بالحواجز لهجرة الطيور والتي هي من صنع الإنسان وهي عديدة وتشترك جميعها في أنها وضعت في طريق هجرة الطيور، ومن هذه الحواجز أعمدة خطوط الضغط العالي وهي تعتبر أحد أكثر التهديدات التي تتعرّض لها الطيور المهاجرة خاصة مع تزايد البرامج التنموية حول العالم، وقد أشارت العديد من الدراسات إلى أنّ نفوق الطيور يأتي نتيجة تصادمها مع الأعمدة والأسلاك وكذلك نتيجة صعقها عند وقوفها على مواقع التوصيلات على أعمدة الكهرباء. وتقدر دراسة قام بها ماندلفي بأنّ هناك من 4-50 مليون طائر تقتل سنوياً نتيجة تكهربها من أعمدة الاتصالات، كما أن هناك ما بين مئات الألوف إلى حوالي 175 مليون طائر يقتل سنوياً نتيجة التكهرب أو التصادم مع خطوط الضغط العالي. ولا يقتصر التأثير على الطيور المهاجرة ولكنه يمتد إلى الطيور المقيمة المعششة والتي تستخدم الأعمدة للتعشيش، وكذلك التي تستخدمها للبحث عن غذائها من خلال وقوفها على أسلاك الكهرباء لفترات طويلة مما يجعلها تتعرض للمجال الكهرومغناطيسي الذي تولده هذه الخطوط الكهربائية، وفي المملكة سجل نفوق أكثر من 500 طائر خلال الهجرة في منطقة واحدة، وكان من أكثر الأنواع تضرراً طائر اللقلق الأبيض.
ولأهمية هذه الهجرة فقد قامت العديد من المنظمات الدولية بحمايتها كما قامت الدول بتوقيع اتفاقيات لحماية هذه الهجرة كجزء من حماية النظام البيئي والمهم لسلامة البشرية، ومن وجهة نظري إنّ الطيور المهاجرة هي ضيوف الله علينا تأتينا في أوقات وأزمان معيّنه لينظر ربنا ماذا نحن فاعلون! فهل نحن مكرمون ضيوفنا؟ كما أنها أمانة في أعناقنا يحاسبنا الله عليها فهل نفوز برضى ربنا لمحافظتنا على هذه الأمانة التي تسير وتسبّح الله ولكن لا نفقه تسبيحها، فهل ندعها تنشر ذكر الله في أرجاء الأرض.
إن هجرة الطيور معجزة من معجزات الخالق وعلى البشرية المحافظة عليها وذلك بحمايتها والحفاظ على بيئاتها، فقد سخّرها سبحانه وتعالى ليرينا آياته في الآفاق، كما يختبر عباده في الحفاظ على الأمانة والتي أمّننا الله عليها فهل نحن محافظون على هذه الأمانة ... فهل نحن حريصون على الحفاظ على هذه المعجزة للأجيال القادمة لتلعب دورها على هذه الأرض وتقوم بما أمرها الله أن تقوم به كأمّة مثلنا ... قال الله تعالي: {وما من دابةٍ في الأرض ولا طائرٌ يطير بجناحية إلا أمم أمثالكم} سورة الأنعام
(*) وكيل عمادة البحث العلمي بجامعة الطائف - مستشار غير متفرغ بالهيئة السعودية للحياة الفطرية - عضو مجلس إدارة منظمة حماية الطيور العالمية - (البيرد لايف إنترناشونال)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.