هناك مفهوم عند غالبية الأشخاص بأن مخرجات (كلياتنا الصناعية وجامعاتنا) لا تناسب سوق العمل الصناعي، ولكن في الحقيقة سوق العمل الصناعي في المملكة محدود وليس بها صناعات حقيقية (إلى حد كبير) غير النفطية والبتروكيماوية التي لا يتجاوز عدد موظفيها 12% من مجموع العاملين في القطاع الصناعي. قدمت الدولة ميزانيات وصلت إلى 23 مليار ريال خلال الخمس سنوات الماضية فقط ك «ميزانية للمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني» والتي يدرس بها 97 ألف طالب وطالبة في الكليات التقنية والثانويات الصناعية، ويتخرج منها سنوياً حوالي 20 ألف طالب وطالبة بمرحلة دبلوم متوسط و900 طالب في مرحلة البكالوريوس. مع ذلك، نرى المشكلة بأن هذه الكليات تدرب على أعمال لا تتناسب مع سوق العمل الذي يعتقد البعض أنه تصنيع، ونحن ليس لدينا صناعات. وأيضا قدرت قيمة الاستثمارات في المملكة ل6500 مصنعا ب880 مليار ريال خلال العشر سنوات الأخيرة حسب تقرير وزارة التجارة والصناعة السعودية. ويعمل بالمملكة في قطاع الصناعات 917 ألفا (177 ألف سعودي، و 740 ألف أجنبي); 59 ألفا منهم إناث (39 ألف سعودية، و 20 ألف أجنبية). ليس لدينا تقارير رسمية توضح أنواع الصناعة ومخرجاتها، ولكن بكل تأكيد، معروف لدى الجميع أننا نستورد كل المواد المصنعة (طائرات، سيارات، معدات، أجهزة كهربائية، وطبية، وإلكترونيات، أجهزة منزلية، الخ); وأيضا هناك معيار آخر يجب أن ننظر له وهو متوسط الأجور في القطاع الصناعي والتصنيع، فالكتاب الإحصائي لوزارة العمل اوضح أن متوسط الأجور للقطاع الصناعي 2600 ريال شهريا، أي 3.31 دولار بالساعة. وبمقارنة أجور العمالة في القطاع الصناعي يتضح أننا نقبع في مؤخرة القائمة بين الدول التي يغلب على سكانها الحياة البدائية والبسيطة، فمثلا أجور العاملين في القطاع الصناعي بالمملكة 3.31 دولار بالساعة وفي الفلبين 2.1 دولار بالساعة والهند 1.6 دولار بالساعة والصين 1.9 دولار بالساعة، أما الدول الأخرى مثل المكسيك وتايوان والبرازيل فالأجور في قطاع الصناعة من 6.28 إلى 11 دولار بالساعة، و في كوريا وسنغافورة واليونان من 17 إلى 23 دولارا بالساعة، إسبانيا وبريطانيا 26 إلى 29 دولارا بالساعة، الولاياتالمتحدة وكندا وفرنسا واستراليا وهولندا من 34 إلى 40 دولارا بالساعة، ألمانيا والسويد والدنمارك من 44 إلى 46 دولارا، وأخيرا بلجيكا وسويسرا والنرويج من 51 إلى 57 دولارا بالساعة. ويجب أن ندرك ماذا تصنع الدول الغربية وماذا تصنع الدول الشرقية (عدا كوريا واليابان). في المحور الثلاثي للصناعات (الدعم، البحوث، الكوادر)، نجد أن الدعم الحكومي في المملكة موجود ولكن بطريقة غير منظّمة، الكوادر متوفرة ولكن بدون أهداف تدريبية وتجهيزية محددة، أما البحوث فهي موجودة في الجامعات وميزانياتها وكوادرها متوفرة ولكن دون سوق يطلب أي مخرجات ولذلك ليس لديها مخرجات تحولت إلى منتجات. أين الخلل؟ الصناعة في المملكة بدون هوية واضحة، فلا نعلم ماذا نريد أن نصنع؟ وزارة التجارة والصناعة وغيرها من الهيئات المسئولة تريد من القطاع الخاص أن يستثمر في صناعات وينافس المستورد، وهذا يحتاج إلى جهد ودعم أكبر من امكانيات القطاع الخاص، ولذلك يبقى دور الصناعات في المملكة محدود لمصانع الطابوق والإسمنت والألبان وما شابه، طبعا بالإضافة إلى ما سبق ذكره (النفط والبتروكيماويات). نحن بحاجة إلى الصناعة والتصنيع الحقيقي لسببين، الأول توفير الوظائف، والثاني لخفض الواردات; هذا للمدى القريب، أما للمدى البعيد فنحتاج إلى توفير أعمال لا تعتمد على النفط ومشتقاتها بما فيها البتروكيماويات، لتوفير مصادر الدخل وتنوع الصادرات. في ظل المعطيات الحالية، من الأفضل أن تستثمر المملكة في بناء مجمعات صناعية شبيهة بمدن الجبيل وينبع للبتروكيماويات، ولكن لصناعة الأجهزة والأدوات والمعدات والسيارات وغيرها; ويجب أن يتزامن هذا مع تفعيل دور الجامعات ومراكز بحوثها والتطوير، وأيضا إعادة تأهيل الكوادر البشرية وتجهيزهم لسوق العمل. هذا العمل يجب أن يكون عن طريق صندوق الاستثمارات العامة أو أي قطاع تكون الحكومة هي المؤثرة على استراتيجياته، ومتى ما استطاعت الصناعة النهوض يمكن تخصيص هذه الشركات لتدخل مراحل التنافس الحقيقية.