الحياة - سعودي الحديث عن الصناعة في دول الخليج مؤلم وموجع، ولا تعرف لماذا سلكت هذه الدول وأخذت جانب الاستهلاك والاستيراد، ولم تتقدم خطوة نحو الأمام في المجال الصناعي، فما قدّمت لنا نموذجاً للدول النفطية الصناعية، ولا أيضاً كدول تبحث عن موقع في عالم الصناعة بصناعات واعدة. قبل أشهر عقد المؤتمر ال14 لمسؤولي الصناعة في دول الخليج، إلا أنني أرى أن الاجتماع يحتاج إلى قرارات جريئة وفاعلة. على أرض الواقع هناك أكثر من 40 في المئة من المصانع ينتظرون خارج المدن الصناعية لعدم توافر أراضٍ، ما يعني أنها تواجه زيادة أسعار إيجار الأراضي والخدمات من ماء وكهرباء، فضلاً عن أنها تواجه مشكلة مع السكان من التلوث والإزعاج، فيما تقف مصانع عدة في طابور طويل تنتظر القروض التمويلية من المصارف أو مؤسسات الدولة التي تقرض المصانع، ويواجه الكثير من المصانع مشكلة الإغراق من مصانع خارجية، بينما يقف الكثير من الشبان والشابات الموهوبين في مجال الاختراعات لتتحول أفكارهم التي تصب في صناعة المعرفة إلى استثمار. الحال الصناعية في دول الخليج تقف على كف عفريت في ظل ارتفاع كلفة التشغيل المحلي، والمستورد الأجنبي وبأسعار منافسة. فيما تقف عرقلة المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي ودول الخليج في تصدير الصناعات الخليجية إليها، ولا يزال الاتفاق قيد المفاوضات. المواضيع التي تناولها الصناعيون الخليجيون ركزت على القضايا الاستراتيجية المتعلقة بالصادرات الصناعية والتحديات والفرص والاستثمار والتمويل، وفتح قنوات جديدة لتوطيد العلاقات التجارية مع الأسواق الدولية والشركات الصناعية العالمية وبناء أسس تجارة التصدير لزيادة فرص تنمية الصادرات الصناعية، واستعراض التجارب المحلية والعالمية. الصناعات الخليجية تواجه المحسوبية والمجاملة في التعاملات مع المشاريع الصناعية، فغابت المعايير المهنية في منح الأراضي الصناعية، وحتى التمويل الحكومي لها، في الوقت الذي تفتح فيها ذراعيها للمشاريع الصغيرة والمتوسطة التي يمتلكها وافدون. بينما يحتاج من أجل استخراج ترخيص لمشروع صناعي إلى إجراءات مطولة وبيروقراطية حكومية، تنتهي إما بتعطل الطلب وأما بإلغاء المشروع، وتحجم المصارف المحلية عن تمويل المشاريع. عدم تقدم الصناعة الخليجية وقدرتها على المنافسة في الأسواق العالمية كونها تسير من دون دراسة أو تخطيط. الحكومات الخليجية قدّمت الدعم المعنوي والمادي لمشاريع صناعية بتروكيماوية. وفي الدرجة الأولى قتل التاجر الخليجي الصناعة. وكلاء الأجهزة والمواد الغذائية ومستوردو السلع من الدول المصنعة، قبل أن يفكر الصانع الخليجي، يفكر أولاً في كيفية مواجهة السلع المستوردة خاصة الصناعات البلاستيكية والمعدنية وحتى الغذائية. الصناعيون الخليجيون بحاجة إلى أن تحتضنهم الحكومات وتدللهم وتعتني بهم، وليس هذا فحسب، بل يجب أن تنمي هذه المصانع، وتسهم في الناتج المحلي، فحجم الاستثمارات في الصناعات بلغت أكثر من 150 بليون دولار، موزعة على نحو 15 ألف مصنع في دول الخليج، وعلى دول الخليج أن تستقطب صناعات المعرفة التي تخدم الأجيال وتؤسس لقاعدة صناعية، فالهند -مثلاً- وجدت أن لديها طاقة بشرية متخصصة في مجال أنظمة الكمبيوتر، وأيدٍ عاملة رخيصة تستطيع أن تصنع أجهزة الحاسوب، فاتجهت إليها شركات تصنيع أجهزة الكمبيوتر والبرمجيات بفتح مصانع وخطوط إنتاج، مثل «دل» و«مايكروسوفت»، واستطاعت الهند أن تصبح ثاني أكبر مصدر للبرمجيات في العالم بعد الولاياتالمتحدة، التجربة الهنديةوالصينية قابلة للاستنساخ في دول الخليج، من خلال تحديد بوصلة الصناعة واتجاهها، بدلاً من الازدواجية، وأيضاً معرفة المستقبل وما ينبغي عليها، ويمكن أن تنفذ مشاريع صناعية ليس بالضرورة في دولها، فهي بالإمكان أن تتحرك كمصانع قوية وأيدٍ عاملة ماهرة وبأسعار متدنية، حينما تستثمر الموانئ اليمنية لإقامة مصانع عليها، وتكون مخصصة للتصدير إلى الخارج، اليمن مهيأ ليلعب دور الميناء الاقتصادي المهم وجعله بوابة رئيسة للصناعات الخليجية. على دول الخليج أن تضع لنفسها خططاً خمسية أو عشرية لتوجهاتها المستقبلية، خصوصاً -كما نعلم- أن الصناعات النفطية مرتبطة بوجود النفط، وهناك اتجاهات أخرى يجب أن تسلكها الصناعة الخليجية، وهي الاستثمار في صناعة المعرفة والبحوث والدراسات، والاهتمام بالمصانع الصغيرة والمتوسطة، فالصين التي لا تملك موارد، بدأت بالصناعات الصغيرة حتى أصبحت اليوم تقود العالم صناعياً، وكل مدنها وقراها صناعية. هناك خمسة معوقات تحد من تقدم الصناعة الخليجية، كما جاء في دراسة أعدّتها منظمة الخليج للاستشارات الصناعية «جويك». أشارت إلى أن عدم وجود منهجية واضحة لتمويل البحوث، ضعف دور القطاع الخاص في هذا التمويل، وغياب استراتيجية خليجية للبحث والتطوير، ضعف وعي المؤسسات الصناعية بأهمية البحث العلمي في تطوير أعمالها أو منتجاتها، إضافة إلى عدم وجود دليل لتصنيف مراكز البحوث الخليجية، وأكدت الدراسة أن السعودية وقطر توليان اهتماماً كبيراً للبحث العلمي من أجل التنويع الاقتصادي، ولا سيما في قطاع الصناعة، ولكن الدراسة رأت أنه على رغم من تزايد الاهتمام الحكومي بالبحث العلمي في دول المجلس، إلا أنها تعد متأخرة نسبياً مقارنة ببعض دول العالم التي شهدت ازدهاراً اقتصادياً وتحولاً صناعياً سريعاً مثل الصين وكوريا وأرلندا. لا يكفي أن تملك المال إن كنت لا تملك مهارة استثماره، ولا يمكن أن تنافس الآخرين وأنت ضعيف اقتصادياً وصناعياً، المال يستثمر وليس من أجل تضخيم المصارف. المستقبل الصناعي سيبقى مجهولاً ومخيفاً ما لم يعتدل رجال الأعمال في جلستهم، وتنظر إليها الحكومات على أنها هي المستقبل، لا نريد صناعات لنشارك بها في المعارض الدولية، بل نريد صناعات تفتح أفاق العمل للمواطن الخليجي، وتتغلغل في الأسواق العالمية، ونريد المزيد من جذب الاستثمارات الأجنبية للمنطقة، لا نريد اجتماعات صناعية خليجية من أجل «حب خشوم». jbanoon@ [email protected] للكاتب