طالعتنا صحيفة «الجزيرة» الغراء، بتاريخ 26-8-2014م، بمقال للكاتب المحترم/ رجاء العتيبي، تحت عنوان «قائد القطيع»، دار في مجمله حول «سياسة القطيع»، والقادة الذي يحولون شعوبهم إلى قطيع لا يملك إلا «السمع والطاعة العمياء»، وأنه لا مكان لذلك في «المجتمعات المتقدمة» و»لدى الناس السويين» (الأسوياء). وبغض النظر عما طرحه الكاتب من آراء وما ضربه من أمثلة، إلا أنه وبدون أي مقدمات أو أسانيد مقبولة، زج باسم الرئيس المصري الراحل «جمال عبدالناصر»، ضمن من أسماهم «نماذج حزبية جاهزة» تدل على «سياسة القطيع»، وواضعاً إياه مع «القذافي، وهتلر، وموسوليني، وصدام حسين». ولا نعلم على أي أساس موضوعي، أو حتى غير موضوعي، يمكن أن يوصف الرئيس عبدالناصر ب»الحزبية» فالزعيم الراحل كان عسكرياً ووطنياً بامتياز، وتنظيم «الضباط الأحرار» لم يكن كياناً إيديولوجياً، وإنما وعاء وطنياً، ضم ضباطاً من مختلف التوجهات، بهدف وحيد وهو التحرر الوطني وأن تستعيد مصر دورها وعافيتها، كذلك فإن السياسة الخارجية للزعيم الراحل، قامت على نبذ التحزب في الساحة الدولية، من خلال مساهمة مصر المشهودة في تأسيس منظمة «دول عدم الانحياز». أما وضع الزعيم الراحل في «سلة واحدة» مع كل من هتلر وموسوليني والقذافي وصدام حسين، فإنه يبدو مناقضاً لأي تحليل تاريخي، مهما كان متحيزاً، فمصر في عهد عبدالناصر، لم تعتد أو تغزو جيرانها، ولم تتبن خطاباً عنصرياً، بل سخرت كل إمكانياتها لمساعدة حركات التحرير في إفريقيا، وكانت عوناً لأشقائها العرب في ميادين التنمية والبناء وصوتها المسموع إقليمياً ودولياً، كان سنداً وقوة لقضايا أمتها العربية والإسلامية ولكل شعوب العالم الساعية للتحرير والتنمية. أما على الصعيد الداخلي، فقد كان الشعب المصري أبعد ما يكون عن وصف «القطيع»، فالتوسع في التعليم والتصنيع والإصلاح الزراعي، أوجد طبقة وسطى عريضة ومتماسكة، وخلال تلك الفترة عاشت مصر عصرها الذهبي في الثقافة والآداب والفنون والعلوم، وكانت قبلة لأشقائها العرب والأفارقة، وما زال التراث الفني والثقافي والأدبي شاهدا على عمق وغزارة الوعي، الذي تمتع به الشعب المصري خلال تلك الحقبة.