يعتبر الأداء الصحي بالمجتمع المحلي من الغرابة بحيث يصعب تفسيره.. فهو ببساطة اعتمادات مالية هائلة الضخامة وأداء صحي ضعيف ولا علاقة له حتى الآن بمعايير الجودة أو الكفاءة.. لدرجة أن بعض الاقتصاديين يعتبر أن مخرجات وزارة الصحة لا تضاهي مدخلاتها الهائلة كميا، وتقل هذه المقارنة نوعياً، حيث توجد فجوة هائلة بين المدخلات والمخرجات يمكن قياسها بالصوت والضوء.. فأسرة المستشفيات التي تكلف الدولة ملايين الريالات.. تظل شاغرة لأيام طويلة من العام، في بعض الأقسام تصل إلى 100 أو 200 يوم.. وفي اعتقاد وحدة الأبحاث بالجزيرة أن سرير المستشفى بوزارة الصحة يعتبر مصدر الخلل الرئيس لديها.. فسرير يكلف 1-2 مليون ريال في تأسيسه، حيث يهتم المسؤولون بالوزارة بتأسيسه على أعلى طراز من المواصفات الدولية المعيارية، وتطرح المنافسات وتجهز اللجان، وتطلب له أعلى التجهيزات.. ثم تجهز اللجان مرة ثانية لإخضاعه لأعلى مواصفات للتشغيل، حتى إن بعض الأسرة يخصص له فريق طبي وتمريضي كامل.. لدرجة أن بعض التصريحات تشير إلى أن تكلفة تشغيل السرير في بعض الحالات والتخصصات تتجاوز ال2.5 مليون ريال.. ثم بعد ذلك نكتشف أن هذا السرير لا يعمل وغير مشغول ويظل بالشهور الطويلة شاغراً. الأهم من ذلك، أن الدولة رغم إنفاقها الهائل على أسرة المستشفيات (تأسيساً وتشغيلاً)، فإنها تقع في ذيل قائمة الدول من حيث مؤشر أسرة المستشفيات إلى عدد السكان.. فمؤشر عدد الأسرة لكل 10 آلاف من السكان بالمملكة لا يزال جامداً عند مستوى 22 سريراً، وهو مستوى يقل عن دول أخرى فقيرة لا تتجاوز ميزانية وزارة الصحة لديها بضعة مليارات قليلة.. فما بالنا بوزارة الصحة السعودية التي تصل ميزانيتها إلى 60 مليار ريال حالياً. ورغم أن وزارة الصحة استهدفت من أكثر من 7 سنوات في إستراتيجيتها الصحية رفع وزيادة هذا المعدل إلى المتوسط الدولي الذي يبلغ 30 سريراً لكل 10 آلاف من السكان.. إلا إنها أحرزت في الحقيقة تراجعا من مستوى 23 إلى 22 تقريباً خلال الفترة الماضية. أكثر من ذلك، فإن السوق الصحي السعودي تنتابه حالة من الازدواجية في أنه يشهد حالة كثيفة من طرح الكيانات الطبية الضخمة، مثل المدن الطبية والمستشفيات التخصصية الكبرى التي أنشئت مؤخراً، فضلاً عن تحقيق نجاحات غير مسبوقة في جراحات وعمليات عالمية، مثل فصل التوائم.. رغم ذلك، فإن هناك استمراراً في استنزاف السيولة المحلية لعلاج السعوديين بالخارج.. بل إن وزارة الصحة نفسها فتحت الباب على مصراعيه مؤخراً لضخ آلاف السعوديين سنوياً للعلاج على نفقة الدولة بالخارج.. هذا خلافاً عن علاج السعوديين على نفقتهم الخاصة بالخارج والذي قد يصل إلى ما يزيد عن 10 مليار ريال على أقل تقدير. في كل دول العالم تتجلى المشكلة الصحية في ضعف المخصصات المالية، إلا في المملكة، فإن المشكلة تتجلى في عملية التشغيل الصحية نفسها.. فالمخصصات -ولله الحمد- عالية ومتزايدة والبنية التحتية تفوق أي دولة أخرى، والكوادر البشرية متاح لها الباب على مصراعيه من كافة دول العالم لتغطية الندرة المحلية فيها.. إذن لا يتبقى سوى التشغيل الذي حتى الآن يتضح أنه السر وراء هذا الضعف في نوعية وجودة الخدمة الطبية المقدمة. السؤال الذي يطرح نفسه: لقد نجحت أنظمة التشغيل والتملك المؤقت في كافة القطاعات الاقتصادية بكثير من دول العالم (بما فيها المملكة)، وعلى رأسها النقل والبترول والغاز والمطارات والاتصالات والتحلية وغيرها، فلماذا لم تنجح في القطاع الصحي، وهو قطاع تقني ويحتاج للخبرات العالمية؟. حيث توجد العديد من أنظمة البناء والتملك والتشغيل والإعادة، وهي أنظمة دولية ومطبقة في كافة دول العالم تقريباً.. ومن أشهر هذه الأنظمة: B.O.T البناء - التشغيل - الإعادة B.O.O.T البناء - التمليك - التشغيل - التحويل B.O.L.T بناء التملك المرحلي - التأجير التمويلي - والتحويل B.O.O بناء - تملك - تشغيل B.R.T بناء - تأجير - تحويل D.B.F.O تصميم - بناء - تمويل - امتلاك M.O.O.T تحديث - أمتلاك - تشغيل - تحويل B.O.O.S بناء - امتلاك - تشغيل - بيع B.O.T.T بناء - تشغيل - تدريب - تحويل ويعتبر من أشهرها على الإطلاق نظام B.O.T حيث تعرفه لجنة الأممالمتحدة للقانون النموذجي (الأنيسترال) بأنه شكل من أشكال تمويل المشاريع تمنح بمقتضاه حكومات الدول لفترة من الزمن أحد الشركات العالمية وتدعى شركة المشروع امتيازا لتنفيذ مشروع معين.. وعندئذ تقوم شركة المشروع ببنائه وتشغيله وإدارته لعدد من السنوات، فتسترد تكاليف البناء وتحقق أرباحاً من تشغيل المشروع واستثماره تجارياً وفي نهاية مدة الامتياز تعاد ملكيته إلى الحكومة. المهم أنه من حق الحكومة متابعة أعمال التنفيذ والتشغيل ومراقبة ومتابعة جميع أعمال الشركة للتأكد من أن عملية التشغيل والصيانة تتم وفقاً للمعايير المتفق عليها سلفاً وبعد أن تنتهي فترة الامتياز الممنوحة للمشروع يتم تحويل ملكيته - منفعته للحكومة. وقد ترى الحكومة أنه من المناسب تجديد التعاقد مع الشركة نفسها لتستمر في التشغيل أو قد تتعاقد مع جهة أخرى من القطاع الخاص أو قد تتولى التشغيل بنفسها. ما تتيحه هذه الأنظمة هو تشغيل المرافق الحكومية (وخاصة المرافق التخصصية) بخبرات وكفاءات عالية، وخاصة أنه يفترض أن يتم انتقاء الشركات ذات الخبرات الشهيرة في تخصصات المرافق الحكومية. وحدة الأبحاث بالجزيرة تعتقد وتتطلع إلى تفكير وزارة الصحة في تشغيل هذه المرافق الحيوية والهامة بكفاءات وأنظمة عالمية، على الأقل لتخفيف الاستنزاف المحلي للسيولة للعلاج بالخارج.. فإلام يذهب السعوديين بالخارج.. يذهبون للخبرات أم للكيانات؟.. إنها رغبة في التيقن من الحصول على خدمة صحية ونوعية فائقة الجودة.