في الشعر العذب فصيحه وشعبيه ما يأخذنا عاليا إلى آفاق تجلِّي شاعر القصيدة، فيلمس قارئ القصيدة - حتى لو وضع عاطفته بمنأى عن روح المعنى وتناول فحواه للترويح عن النفس - أن هناك إسرافا في الحلم والتمني، وهو ما جعل الكثير من الشعراء يعزف إلى غير رجعة عن الحلم بعد خيبة أمل في تحقق الحلم العاطفي على أرض الواقع لسبب أو لآخر.. فالخيال لا يطول أمده تحت إحراج سطوة المنطق وقسوة مرآة الواقع التي لا تكذب بأي حال، وإن قال الشاعر مجنون ليلى في هروب محبب لنفوس العاشقين: وإنّي لأستغْشي وما بِيَ نَعْسَة لعَلَّ خيالاً مِنْكِ يَلقى خَياليَا ويطول شرح عجائب الأحلام في شعر الغزل يقول الشاعر العباس بن الأحنف على سبيل المثال لا الحصر لها: ولَوْ كانَ قلْبي يسْتطيعُ تكَلُّما لحدَّثكم عنّى بِكُلّ العجائبِ ويختلف جَلَد الشعراء على ما يكتنف حياتهم العاطفية فمنهم من يصارع محطات الإحباط واليأس والعذال مثل الشاعر بن شريم - رحمه الله - الذي يقول: أشفق عليه وكل ما جيت مردود دربه وحل ما هوب دربه عدالي يسعى بفرقا صاحبي كل مقرود إما حكا له فيّ والاَّ حكا لي بل إن من كبار الشعراء الشعبيين مثل عبد الله بن سبيل - رحمه الله - من يرى أن من ينعته بالجهل لولع قلبه في هذا الشأن، هو من يجهل أصغر تفاصيل الذات وجمال ذكريات الحياة بقوله: قالوا جهلت وقلت بالجهل أقريت الجَاهل اللِّي ما تَّذَكَّر طَراتِه موثقا في بيت آخر من القصيدة أن وفاءه لذكراه العاطفية ستبقى إلى آخر لحظة من حياته: وأنا الذي لو قالوا الناس سَجّيت مَا اسِجّ لين القبر تركز حَصَاتِه وتفعيلاً لمقولة (هناك فرق بين ما هو كائن وما يجب أن يكون) وتحديداً في (الغيرة) في الشأن العاطفي، وهي أمر شائك منذ القدم في شعر الغزل، فقد قال الأمير الشاعر سعود بن بندر - رحمه الله - : يا عذاب عيون مختارك حبيب كل يوم أشوف عشاقك تزيد من يحبك يقبل الوضع الغريب لا يغار.. ويلزمه قلبٍ حديد إلى أن قال: ليتك لحالك بهالكون الرحيب من بني آدم وأنا الحي الوحيد ويشير الشاعر العذب متعب التركي لتأثير الحب الصادق وتبعاته في - طيبة القلب - وكأنه يُحَكِّم المثل السائر في هذا الشأن وهو (تَمنَّ لكن بحذر!!) Be careful what you wish for بقوله: كل قلبٍ في ذراه الحب عاش (فيه طيبه زايده عن حدّها)!! والقلوب إن فارقت.. صارت هشاش موحشه.. والذكريات تشدّها