أكد خبراء أمنيون وإستراتيجيون من جمهورية مصر العربية أن مبادرة خادم الحرمين الشريفين بإنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب ودعمه مادياً جاءت في وقتها المناسب، لتسلط الضوء على العنف الإرهابي المتكرر الذي تعاني منه دول المنطقة والعديد من دول العالم، وتنبه لحجم التحديات الأمنية الخطيرة التي تواجه المنطقة، لا سيما بعد تدهور الأوضاع السياسية والأمنية في عدد من دول المنطقة، مما أدى إلى تصاعد منحنى الإرهاب من ناحية، وصعوبة مواجهته من ناحية أخرى. وأكدوا في تصريحات ل «الجزيرة» ضرورة تضافر الجهود العربية والدولية خلف مبادرة خادم الحرمين الشريفين، وأن يتبعها تحرك على الأرض من جانب قادة الدول في المنطقة وأجهزتها الأمنية، للوقوف في وجه هذا الخطر الداهم الذي أصبح يهدد مستقبل المنطقة، مؤكدين أن التقدم في مواجهة الإرهاب مرهون بعودة الاستقرار السياسي والتصدي للمد التكفيري المتصاعد، مشددين على ضرورة التضافر الدولي والإقليمي في هذه القضية العالمية من أجل تحقيق نتائج ملموسة. وقال اللواء سامح سيف اليزل - رئيس مركز الجمهورية للدراسات والأبحاث السياسية والأمنية- إن الدعوة الكريمة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - لتأسيس مركز دولي لمحاربة الإرهاب ويكون مقره مدينة نيويورك وتشرف عليه الأممالمتحدة ودعمه ب 100 مليون دولار أمريكي، تأتي في الوقت الصحيح وبالطريقة الصحيحة لمواجهة هذا الخطر الذي يهدد المنطقة العربية والعالم كله ولن يستثني أحد من شروره. وأضاف سيف اليزل أن الإرهاب وللأسف الشديد قد اشتد عوده في الآونة الأخيرة وازدادت أعمال العنف والتخريب في أنحاء كثيرة من الأرض وبخاصة المنطقة العربية المستهدفة دائماً من الجماعات والميليشيات الإرهابية، وهذا الأمر يهدد بكل تأكيد الأمن القومي العربي والمنطقة بمزيد من الإرهاب والتخريب، ولذلك جاءت دعوة ومبادرة خادم الحرمين الشريفين ودعمه الكريم للمركز الدولي لمحاربة الإرهاب ليكون ذلك نواة رئيسة يمكن البدء بها والبناء عليها من خلال اتخاذ خطوات جادة لمحاربة الإرهاب والعنف والتطرف الذي يواجه الدول العربية بشكل خاص والعالم كله بوجه عام. وأشار رئيس مركز الجمهورية للدراسات إلى الاستجابة والتفاعل الدولي مع مبادرة خادم الحرمين الشريفين وذلك نظراً للمكانة الكبيرة التي يحتلها جلالته - حفظه الله - لدى شعوب وحكومات وقادة العالم أجمع وكذلك لأن دعوته ومبادرته لمحاربة خطر الإرهاب تأتي في التوقيت الصحيح وبالأسلوب الصحيح الذي وضع جميع القادة والمسئولين في العالم أمام مسئولياتهم للتجاوب مع هذه المبادرة والتكاتف من أجل إنجاحها للوقوف بقوة أمام هذا الخطر الداهم. وأوضح سيف اليزل أنه يتوقع استجابة كبيرة وواسعة من دول أخرى لدعوة ومبادرة خادم الحرمين الشريفين لإنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب وذلك بمجرد بدء فعاليات المؤتمر الخاص بإنشاء المركز الدولي لمقاومة الإرهاب، وأيضاً من المتوقع أن تتعاون الدول العربية والخبراء الأمنيون المتخصصون في هذا المجال لاقتراح آلية جديدة على المستوى الإقليمي تستطيع أن تضع الخطط والإستراتيجيات الحالية والمستقبلية لمجابهة الإرهاب وأخطاره المحدقة بالوطن العربي والعالم كله. من جانبه قال اللواء فاروق المقرحي مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق إن تركيز خادم الحرمين الشريفين على مواجهة الأخطار والتهديدات الإرهابية في المنطقة يتطلب تحركاً إقليمياً لمواجهة التحديات والتصدي للمخاطر الإرهابية، محذراً قادة المنطقة من الوقوف مكتوفي الأيدي وسط تحركات التنظيمات الإرهابية في المنطقة بصورة منظمة، مشيراً إلى أن هذا هو ما حذّر منه خادم الحرمين الشريفين. وأضاف المقرحي أن مواقف خادم الحرمين ومبادراته يجب أن تتبعها تحركات من جانب المسئولين في دول المنطقة بالتأكيد على أهمية محاربة الإرهاب الذي يضرب المنطقة العربية، والتأكيد على أهمية تضافر جهود المجتمع الدولي لمواجهته وحماية البلدان العربية من الخطر الذي يعصف بالجميع، مؤكداً أن المخاطر الإرهابية تتسع دائرتها في المنطقة، ولابد أن تكون مبادرة خادم الحرمين بإنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب نقطة تحول للأجهزة الأمنية في مختلف الدول العربية لمكافحة الإرهاب الدولي الذي يهدد بعمليات إرهابية من خلال خلاياه النائمة في المنطقة العربية. كما أكد اللواء فؤاد علام - وكيل جهاز مباحث أمن الدولة الأسبق والخبير الأمني، أن المبادرة الحالية لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لإنشاء مركز دولي لمحاربة الإرهاب والوقوف بقوة من أجل القضاء على هذا الخطر الداهم، ليست بجديدة عليه - حفظه الله - فقد أخذ على عاتقه دائماً محاربة الإرهاب لأنه قيادة حكيمة ترى ببعد نظر ورؤية ثاقبة ما يمثله هذا الخطر الكبير من تهديد على المنطقة العربية والشرق الأوسط بأسره. وأشار علام إلى أنه حضر في المملكة مؤتمراً دولياً لمكافحة الإرهاب، دعا له خادم الحرمين الشريفين منذ أن كان ولياً للعهد من أجل مكافحة الإرهاب والقضاء عليه في الدول العربية والإسلامية التي تكتوي بنار هذا الإرهاب، وهذا يؤكد أن الملك عبد الله له دور كبير وباع طويل في مكافحة الإرهاب والتطرف الذي تعاني منه الدول العربية والإسلامية، لأنها المستهدفة من هذا الإرهاب، كما أن جلالته يعرف أنه لو تم القضاء على الإرهاب في دولة عربية ولا يزال في دولة أخرى سينتقل إليها بالضرورة، وهو ما يؤكد بعد نظره في ضرورة تضافر الجهود لمواجهة هذا الخطر الذي يهدد الجميع وأوضح أن مكافحة الإرهاب يحتاج إلى مؤسسة عربية إسلامية في الأساس تستطيع أن ترسم السياسيات وتضع الخطط والدراسات عبر خبراء أمنيين وإستراتيجيين ويتم من خلالها مواجهة هذا الخطر الداهم في الدول العربية والإسلامية، لأن الدول الغربية وخاصة أمريكا لا تريد للدول العربية أن تقضي على الإرهاب الذي يستغله الغرب لتحقيق مصالحه. وطالب علام بأن يجتمع الخبراء الأمنيون والإستراتيجيون العرب والمسلمون ويقوموا بتحديث الدراسات الأمنية والإستراتيجية التي قدموها من قبل ولم يتم الاستفادة منها لتكون نواة وبداية حقيقية لهذا المركز لمكافحة الإرهاب والتطرف والغلو، مشيراً إلى أن مواجهة الإرهاب تحتاج إلى خطط وإستراتيجيات علمية حيث أن مقاومة الإرهاب لا تحتاج لحلول أمنية فقط بل تحتاج لمواجهة الأفكار المتطرفة والخارجة عن أصول الدين بأفكار مثلها، فمن الممكن مثلاً طبع كتب تواجه وتفند هذه الأفكار المضللة ويتم توزيعها على المدارس والمساجد والجامعات لترد على الأفكار الإرهابية. أما اللواء طلعت مسلم، الخبير الإستراتيجي المصري، فقد ثمن مبادرة خادم الحرمين الشريفين ومواقفه البارزة في مواجهة الإرهاب، مشيراً إلى أن الإرهاب بالمنطقة وصل إلى أقصى مراحله، وأصبح يستخدم أسلحة ووسائل جديدة لم يكن يستخدمها في السابق مثل السيارات المفخخة والعبوات الناسفة، فضلا عن تركيزه على منشآت الشرطة والدولة، موضحاً أن الإرهاب في الماضي يعتمد على الدراجات النارية المفخخة أو تنفيذ الاغتيالات. وأرجع مسلم أسباب تفاقم الإرهاب في المنطقة إلى أسباب عقائدية بالإضافة للتمويل الخارجي وتدفق السلاح بكثافة عقب ثورات الربيع العربي، والفراغ الأمني الذي عانت منه العديد من الدول العربية. وأوضح مسلم أن مستقبل الإرهاب يتوقف على الوضع السياسي وحدوث الاستقرار بدول المنطقة. وثمن مسلم الجهود السعودية لمحاربة الإرهاب، مؤكداً أن الدعوة التي وجهها خادم الحرمين الشريفين لمواجهة الإرهاب تكتسب قدراً كبيراً من الأهمية خاصة وأنها تأتي من داخل دولة تمتلك ثقلاً سياسياً واقتصادياً ودينياً لكونها أرض الحرمين الشريفين، فضلاً عن الدعم المالي الذي يعد أمراً محموداً، خاصة وأنه لا يمكن مكافحة الإرهاب دون توفير غطاء مادي ومعنوي، وكلاهما تمتلكه المملكة العربية السعودية سواء إقليمياً أو دولياً. من جانبه أشاد اللواء محمد على بلال - الخبير الإستراتيجي والعسكري - بمبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لمحاربة الإرهاب وإنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب ودعمه له ب 100 مليون دولار، مشيراً إلى أن هذه المبادرة تضع الجميع أمام تحمل مسئولياته تجاه هذا الخطر الكبير، مشيراً إلى أن الدول العربية خاصة هي التي تواجه هذا الخطر لذلك فعليها دور كبير في دراسة الموضوع والاستجابة معه لوضع آليات وخطط محددة حتى تواجه التطرف والتشدد والإرهاب الذي يهدد أمنها القومي. وأكد «بلال» أن مبادرة خادم الحرمين فكرة نبيلة وشجاعة بأن تكون المملكة في مقدمة الصفوف لمواجهة هذا الخطر الذي يهدد المنطقة العربية في المقام الأول حيث أن الدول العربية هي التي تواجه الإرهاب الذي يتم تصديره لها من الدول الأخرى التي ترعى هذا الإرهاب الأسود ثم لا تستطيع مواجهته بعد ذلك لتتركه للدول العربية والإسلامية لتكتوي بناره، لافتاً إلى أن تنظيم القاعدة احتضنته في البداية الولاياتالمتحدة وبعدما اكتوت بناره لم تستطع القضاء عليه لتكون آثاره وتداعياته السلبية والإرهابية كبيرة جداً على المنطقة العربية والدول الإسلامية، وكذلك تنظيم داعش في العراق هو صناعة أمريكية من الأساس وها هي الآن أمريكا تقول أنها لن تستطيع أن تقضي داعش إلا إذا ضربت سوريا ولكنها ستترك داعش لتكتوي بنارها الدول العربية. وأوضح بلال أن محاربة الإرهاب تحتاج إلى مؤسسة ذات شخصية مستقلة لا تتبع دولة معينة أو منظمة دولية ما حتى تكون مؤسسة مستقلة برأيها لا تخضع لتأثير او سيطرة دولة عظمى أو منظمة لها اعتبارات أخرى، مشيراً إلى أنه من هذا المنطق جاءت الدعوة والمبادرة الكريمة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله لإنشاء مركز دولي لمحاربة الإرهاب ليكون بداية حقيقية لمؤسسة دولية ذات شخصية مستقلة تقود العالم نحو مواجهة هذا الخطر الداهم. فيما يؤكد سامح عيد الباحث الإسلامي المنشق عن جماعة الإخوان المسلمين أن خادم الحرمين وجه رسالة للعام أجمع تنبه لخطورة تفاقم الإرهاب في المنطقة ودول العالم، مشيراً إلى أن أكبر خطر يواجه الإسلام حالياً هو تصدير العنف باعتباره واجهة إسلامية وضرورة تاريخية وجهاداً ما بعده جهاد، مؤكدًا أن من يؤمنون بالعنف يحتاجون إلى مراجعة مع استمرار الحوار مع الشباب لتحويل طاقاتهم إلى العمل والعطاء. وقال إن دعوة خادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز وتأكيده على ضرورة محاربة الإرهاب بلا هوادة هي دعوة من قائد عرف عنه الحكمة واكتسب جماهيرية كبيرة في مصر ومختلف الأقطار الإسلامية، لأنه وقف بكل حزم ضد الإرهاب والفكر المنحرف وضيق الأفق، مؤكدًا أن إلباس الإرهاب بالإسلام خطيئة وصد عن سبيل الله، لأن الدعوة قامت على الحكمة ومن يعتبر الإرهاب منهجًا فهو يعتبر للإسلام ما ليس منه. وقال: إن حديث خادم الحرمين في هذا التوقيت هو حديث استنفار لأن الإرهاب يعود ويكشر عن أنيابه في المنطقة. وأضاف أنه لا بد من استثمار هذه الجهود السعودية الكريمة لتفعيل خطوات جادة للقضاء على آفة الإرهاب واستئصال خطرها عن طريق مواجهة الفكر بالفكر لأنه لا يمكن مواجهة الإرهاب بالسبل الأمنية وحدها، وهو ما سبق أن أكد عليه خادم الحرمين الشريفين من خلال دعوته للحوار بين الأديان، وكذلك من خلال سعيه للتقريب بين المذاهب الفقهية المختلفة.