في شهر رمضان المبارك، ودّعت الساحة التشكيلية الفنان عبدالجبار اليحيى أحد أبرز فناني الجيل التشكيلي الأول بالسعودية, توفي -رحمه الله- بعد أن قدم الكثير للساحة فناً وثقافةً وخلقاً وكان وفياً لرسالته التشكيلية والفنية والثقافية، ومع انتشار خبر وفاته (رحمه الله وغفر له) تناقل بعض التشكيلين عبر مواقع التواصل الاجتماعي الكثير من صور أعماله وسيرته الذاتية وعبارات الثناء والإشادة بمنجزاته رحمه الله (وهو يستحق ذلك وأكثر), وهذه لمسة وفاء إنسانية محمودة وغير مستغربة. ولعل مثل هذه المواقف الإنسانية من بعض الفنانين وإن كانت وقتية تعيد الأمل بأن يكون الوفاء والعرفان هو السائد بين أجيال التشكيليين السعوديين, فصراع الأجيال وتضخم الأنا وصل عند أحدهم في لقاء تلفزيوني أن ينسف كل منجزات ومسيرة الفن في السعودية وأن التشكيل السعودي لم يكن ضمن الحراك التشكيلي العالمي والمنجز الشعوبي الرسمي ولا حتى الحضور في البيناليات العالمية إلا من خلاله هو وزمرته, وإن كان هناك حضور سابق للتشكيلين السعوديين في بيناليات فهو على الهامش... فبغض النظر عن دقة المعلومة وصحتها وعن افتخاره بمنجزه وشرعيته... فعالميته ووصوليته يمكن أن تتحقق ويفتخر بها ونفتخر بها جميعاً دونما تقليل من منجزات من سبقوه, فالساحة تتسع للجميع والنجاحات ليس بالضرورة تبنى على تحقير وتصغير جهود الآخرين... ولم يكن موقف أحد التربويين التشكيليين أقل جحوداً ونكراناً عندما أنكر فضل ما قدمه الفنان الراحل عبدالحليم رضوي (رحمه الله) للساحة التشكيلية المحلية، وأن اختصاصه بالريادة هو وبعض الفنانين ليس صحيحاً..., وكان ذلك في معرض حديث عن الريادة التشكيلية بالساحة المحلية بإحدى المناسبات التشكيلية بجدة, وعلى الرغم من معرفتي التامة بفضل الفنان الراحل عبدالحليم رضوي -رحمه الله- على فناننا هذا خصوصاً وعلى غيره من الفنانين، إلا أن علامة التعجب تكبر وتتضخم من مثل هذا الجحود والنكران, فإثبات الذات وإظهار النجاحات والتميز والتألق وجميع عبارات الثناء على الذات لا تستوجب نكران وتقليل جهود وفضل الآخرين، وأن تبنى النجاحات والافتخارات على التقليل من جهود ونجاحات السابقين أو المعاصرين في المجال واتهامهم بالقصور والتأخر، فالساحة تتسع لنجاحات الجميع, والصديقين في هذين الموقفين في غناء عن التقليل من جهود الغير لإثبات وجودهما أو إنكار من سبقوهم ليظهروا منجزاتهما وإبداعاتهما ولكنها ربما تعود لفردية الفنان التشكيلي ولمنافسة الأجيال, أو هو سلوك جمعي اعتدنا أن نعيشه، والذي يقضي بأن إثبات الذات يقوم على أنقاض الغير وأن تهميش منجزات من حولنا يضمن لنا بأن نكون الأبرز... مع أن الساحة تتسع لجميع نجاحات الفنانين والصراعات ليست هي من يثبت مصداقية الفنان وأحقيته بالمقدمة... فلنجعل الساحة التشكيلية المحلية تعيش بسلام ونترحم على من غادر من فنانيها ونحترم ونقدر منجزهم لنجد الاحترام والتقدير لمنجزنا عند من سيلحق بنا.