يغيب عن بعض من يقدِّم نفسه للناس باسم النقد ( وهو فن أدبي رفيع مستقل له قواعده الثابتة) أن ما ينطبق على الشعر (الفصيح) قد لا ينطبق على صنوه (الشعبي)، وتحديداً، في علم العروض والقافية (والنحو) والمعاني والبديع، وإن كان وجه الشبه بينهما كبيراً؛ لأن اللغة واحدة وهذا أمر وضّحه كبار الأدباء؛ مثل الشيخ عبدالله بن خميس -رحمه الله- وغيره في أكثر من مؤلَّف. إلاَّ أن أحد الموهومين بنقد الشعر الشعبي ربما طمعاً - بكسب جمهور الشعر الشعبي العريض- ولست هنا بصدد تفسير نواياه أصرَّ أن يحرج نفسه في أحد المحافل الأدبية؛ واهماً أن نقد الشعر الشعبي (مطيّة طيّعه وفق هواه)، رغم عدم إلمامه بمعاني نماذج من قصائد شعراء استشهد بها (ولم يشفع له برستيج المايكرفونات وحرف الدال التعريفية بشخصه أمام الكاميرات .!): فأي تباين هذا الذي وضع نفسه فيه؟!! أقول هذا بشكل بعيد عن أي شخصنة لا تعني أي جاد منصف؟! - لقد فعّل ما نصه: من تكلّم في غير فنه أتى بالعجائب - وتحديداً في تصنيف مدارس الشعراء الشعبيين الذين أشار لأسمائهم وبعضهم توفاه الله منذ ما يقارب ثلاثمائة عام؛ مثل الشاعر راشد الخلاوي -رحمه الله- الذي تميّز بشعر الحكمة، وتحديد مواسم فصول العام بدقة فلكية يوثقّها شعره، شملت أسماء النجوم وفصولها، ومع هذا صنّفه الناقد المشار إليه بأنه من شعراء مدرسة الابتداع الرومانسية، وقال ما نصه (أنها ثمرة اتصال العرب بالعالم الغربي)! وأقول للدكتور الناقد - بالرجوع لأكثر من مرجع أدبي-: نعم، إنها ظهرت لتكون تعبيراً صادقاً عن الذاتية، والوجدان، والشخصية الفنية المستقلة، ولرفضها النهج التقليدي السائد في مدرسة الإحياء الكلاسيكية، ومن روادها: مطران - أبو القاسم الشابي - إيليا أبو ماضي - وهذا أمر بدهي متعارف عليه، وعليه أتساءل: هل لهذه المدرسة شأن ذو صلة بنهج راشد الخلاوي -رحمه الله- في الشعر ؟! إذ إن من ملامح المدرسة الرومانسية وخصائصها ما يلي: 1 - الفرار من الواقع، واللجوء للطبيعة ومناجاتها، والتفاعل معها واستشراف عالم مثالي. 2 - تمتاز الأفكار لدى شعرائها بالأصالة والتجديد والتحليق في عالم الفلسفة والعمق الوجداني. 3 - ظهور ذاتية الشاعر. 4 - يجنحون إلى الخيال إلى حد بعيد؛ فالشعر عندهم لغة العاطفة والوجدان والخيال المحلق وخيالهم الجزئي فيه إبداع وطرافة. 5 - تمتاز هذه المدرسة بالصور الشعرية الممتدة. 6 - التعبير يمتاز بالظلال والإيحاء ولفظته حية نابضة فيها رقة وعذوبة، كما يبدو التساهل اللغوي عند بعض شعرائهم، وبخاصة شعراء المهجر. 7 - الوحدة العضوية بارزة في القصيدة، حيث تسود وحدة المقطع لا وحدة البيت ووحدة الجو النفسي للقصيدة متناسقة مع مواقفها. 8 - لا يلتزم كثير من شعرائها بوحدة الوزن والقافية، فقد تتنوع المقاطع وقد يلتزمون بنوع التفعيلة دون الالتزام بوحدة عددها.