مما لا شكَّ فيه أن السياسة البترولية في السعوديَّة لها تأثير كبير على إمدادات الطاقة في العالم كلّّه وقراراتها مناطة بمجلس البترول الأعلى بقيادة الملك - حفظه الله- الذي هو من يحدد تلك السياسات والإستراتيجيات النفطية. وهو بشكل إشرافي مسندٌ إلى وزارة البترول والثروة المعدنية، التي تعد الجهة الرسمية المسؤولة عن شؤون النفط والمشرفة على كافةِ النشاطاتِ القائمةِ لشركاتِ النفط السعوديَّة ومن بينها شركة أرامكو السعوديَّة المسؤولة عن الأمور الفنيَّة والأعمال المتعلقة بمجالات النفط والغاز. ومما تجدر الإشارة إليه فإنَّ تاريخ النفط الحديث هو بلا شكَّ تاريخ الشركات البترولية وخصوصًا العالميَّة منها كشركات البترول المعروفة بالاخوات السبع أو عمالقة الشركات النفطية الذين كانوا إلى عام 1973 يتحكمون ب 85 في المئة من احتياطي النفط العالمي ويتحكمون بكامل نفط المملكة العربيَّة السعوديَّة وذلك من خلال مجموعة من الشركات الأمريكية المسماة بالشركة العربيَّة الأمريكية واختصارًا بأرامكو من بداية الثلاثينيات وشركة الزيت العربيَّة السعوديَّة (أرامكو السعوديَّة) جاءت تسميتها من («Aramco» Arabian American Oil Company) الذي تَمَّ استبداله بدل مسمى كاسوك عام 1944م ليصبح أرابيان أمريكان أويل كومباني (أرامكو) إلى نهاية الثمانينيات من العقد المنصرم وأصبحت عام 1988م تحت مسمى (أرامكو السعوديَّة) بعد امتلاك الدَّوْلة لها. وشركة (أرامكو السعوديَّة) هي الجهة أو الأداة الفنيَّة والتسويقية لشؤون قطاع البترول وإنتاج المواد الكيميائية. فالشركة هي المسؤولة عن الأمور الفنيَّة والأعمال المتعلقة بمجالات النفط والغاز. وتقومُ أرامكو السعوديَّة بأعمال استكشافٍ وإنتاج وتكريرٍ للنفطِ الخام، وكذلك تسويق وتوزيع المشتقات النفطية في البلاد، والبتروكيماويات والأعمال المتعلقة بذلك بدءًا من الاستكشاف ومرورًا بمراحل الإنتاج والإمدادات والتكرير والشحن والتوزيع والتسويق، وتتوسع أعمالها حاليًّا لتشمل تنفيذ مشروعات تنموية كبيرة وتمويل وتنفيذ مشروعات ضخمة أخرى نظرًا لمرونتها واستقلال الشركة وأعمالها ومصروفاتها عن القيود الإدارية والرقابية الحكوميَّة التي تخضع لها الأجهزة الحكوميَّة الأخرى. وتحتل أرامكو السعوديَّة المرتبة الأولى بين شركات البترول العالميَّة من حيث إنتاج وتصدير الزيت الخام وسوائل الغاز الطّبيعي، كما تعد واحدة من شركات التكرير العالميَّة الرائدة. فهي شركة بترولية متكاملة وبالتالي لها ارتباط وثيق بعالم النفط وأسواقه ومتغيِّراته من الناحية الفنيَّة المتعلقة بكمية الإنتاج وتسويقه أيّ المعروض منه عالميًا، مما أهل المملكة كمورد موثوق للمواد الهيدروكربونية وبالتالي تحكم صناع القرار على أسعاره، وبفضل ما تَمَّ استكشافه من الاحتياطات الكبيرة من النفط منتصف القرن المنصرم، واستقلال الشركة وأعمالها ومصروفاتها عن القيود الإدارية والرقابية الحكوميَّة التي تخضع لها الأجهزة الحكوميَّة ولإعطاء مثال عن ذلك فإنَّ حجم مصروفات شركة أرامكو السعوديَّة التشغيلية أيّ على أعمالها فقط خلال 2014 - 2018 يصل إلى النصف تريليون وبالتحديد (470 مليار ريال) منها 320 مليارًا للخدمات من مشروعات وخدمات صيانة وأعمال تنقيب وحفر والخدمات الهندسية، فيما تبلغ مصروفات المواد 150 مليارًا شاملة الأنابيب ومعدات الحفر والمواد الكهربائية والكيميائية. والمبلغ هذا يتضاعف إذا تَمَّ احتساب المشروعات الحكوميَّة الأخرى المناطة بها كما الحال في الإشراف على مقاولات مدنية مثل جامعة كاوست، والملعب الدولي في جدة، ومشروعات عدَّة لا تمَّت بصلة للبترول ويخشى بعض النقاد على الشركة أن تتحول من شركة زيت لشركة مقاولات وأشغال عامة. ونظرًا لما حظيت به شركة أرامكو السعوديَّة من استثمارات هائلة في القطاع النفطي والمرونة في المصروفات الماليَّة بلا قيود، فإنه وطبقًا لنتائج الدراسات العالميَّة النفطية المختصة فإنَّ شركة «أرامكو» هي أكبر شركة في العالم قيمة حيث ارتفعت الطاقة الإنتاجيَّة للمملكة في عام 1994إلى مستواها البالغ 10 ملايين برميل في اليوم. وفي عام 1999 تَمَّ افتتاح حقل الشيبة في صحراء الربع الخالي، الذي يعد واحدًا من أكبر المشروعات من نوعه في العالم وفي عام 2004م تَمَّ افتتاح مشروع معامل الإنتاج في القطيف وأبو سعفة وتبلغ طاقة إنتاج هذا المشروع العملاق 800 ألف برميل في اليوم من الزيت الخام. وقد بلغت صادرات أرامكو من الزيت الخام خلال العام 2013 نحو 6.82 مليون برميل يوميًّا (6.91 مليون برميل في 2012) وهو ما يشكل 72 في المئة من إجمالي إنتاج الشركة والبالغ 9.41 مليون برميل يوميًا. وشهد إنتاج المملكة من النفط ارتفاعًا خلال السنوات الثلاث الأخيرة ليبلغ في عام 2012 أعلى مستوى له مع نقص الإمدادات في أسواق النفط بسبب انخفاض صادرات عدد من دول أوبك (العراق - إيران - ليبيا)، واستحوذت آسيا على معظم الصادرات لتبلغ نسبتها من النفط نحو 54 في المئة ما يعادل 1.34 مليار برميل سنويًا. ووفقًا لما ذكرته الشركة فإنه في عام 2013، تَمَّ إنجاز 245 بئرًا استكشافية وتطويرية للزيت. وبلغ إنتاج النفط الخام 9.4 مليون برميل. وبلغ إنتاج النفط 3.4 بليون برميل، أيّ ما يمثِّل برميلاً من كل ثمانية براميل من إنتاج النفط الخام في العالم، وهي أعلى إنتاجيَّة تحققها الشركة في عام واحد عبر تاريخها. كما بلغت صادرات الزيت 2.49 بليون برميل وبلغت الطاقة الإنتاجيَّة القصوى الثابتة 12 مليون برميل يوميًا. وبلغت احتياطيات الزيت الخام 260.2 بليون برميل. وبشكل عام فإنَّ هذه البيانات تؤهل المملكة لطاقة فائضة من الإنتاج يمكن أن يلجأ لها صناع القرار الاقتصادي والسياسي لتهدئة الأسعار واستقرارها. وبالتالي جعل للمملكة ثقلاً اقتصاديًا كبيرًا في العالم وخصوصًا في ظلِّ الأحداث والظروف الإقليميَّة المختلفة وأهل المملكة للقيام بدور مهم في تأمين النفط لسوق الطاقة العالمي. وحسب الاحصائيات الرسمية فلقد ارتفع إنتاج الشركة من الغاز الطّبيعي ليصل إلى 11 مليار قدم مكعبة قياسية يوميًّا بنسبة 3 في المئة وفقًا لما جاء في تقرير الشركة لعام 2013م. بينما ارتفعت الاحتياطيات القابلة للاستخراج من الغاز من 284 تريليون قدم مكعبة إلى 288.4 تريليون قدم مكعبة بنهاية 2013. وأعلنت «أرامكو السعوديَّة « في تقريرها السنوي لعام 2013 أن برنامج الشركة لتوفير الغاز الصخري قيد الاستكشاف. وأشارت «أرامكو» إلى أنها تقوم بالتنقيب عن موارد الغاز الصخري في ثلاث مناطق بالمملكة، هي المنطقة الشماليَّة الغربية وجنوب الغوار والربع الخالي، وتطوير المواقع وإعداد أجهزة الحفر والتكسير الهيدروليكي وأضافت أنه بهذه الخطوة، ستكون السعوديَّة من أوائل الدول خارج أمريكا الشماليَّة التي تستخدم الغاز الصخري في توليد الكهرباء، ولكن يؤخذ على أرامكو أنها في نفس الوقت الذي تركز فيه على الاستثمارات الباهظة الكلفه في الغاز الصخري عدم الاستفادة القصوى من الغاز المصاحب لإنتاج النفط، فوفقًا لإحصائيات البنك الدولي في تقريره الصادر في يونيو من عام 2012م، فإنَّ المملكة من أكبر دول العالم إحراقًا للغاز، وهي حسب التقرير الدولي بأنها من ضمن العشرة الأوائل بين دول العالم من حيث إحراق الغاز؛ إِذْ بلغ إحراقها للغاز عام 2011م نحو أربعة مليارات متر مكعب bcm؛ ما يُعدُّ هدرًا كبيرًا، حذّر منه البنك الدولي في تقريره عن الدول المنتجة للنفط، المعني بالحد من هدر الغاز عند حرقه؛ ودعا البنك الدولي (GGFR) إلى الانضمام إلى الجهود العالميَّة الرامية إلى الحدّ من حرق الغاز الطّبيعي أو إحراقه، وزيادة كفاءة استخدام الطاقة، ليس فقط من مردوده الاقتصادي، بل إنه - ومن وجهة النظر الدوليَّة - خطرٌ جسيم على البيئية؛ وحضت على التخفيف من حدة آثاره على تغيُّر المناخ. أما إنتاج الشركة من المنتجات المكررة في المصافي العاملة في المملكة فحسب تقرير شركة أرامكو السعوديَّة فإنه قد تراجع خلال عام 2013 بنسبة 3 في المئة لتصل إلى 494 مليون برميل بسبب انخفاض الإنتاج لجميع مصافي الشركة دون استثناء.