يغفل المنتجون والقنوات التلفزيونية جانبا مهما من الدراما ألا وهي الأعمال الدينية، فليس هناك توجه للمسلسل الديني، بل الجميع يتوجهون إلى الأعمال الكوميدية أو ما يعتقد منتجوها أنها كوميدية، رغم براءة الكوميديا منهم ومنها، ولو كانت كوميدية حقيقية لكان ذلك مطلبا واحتياجا للمشاهد، لكن الكوميديا صناعة فنية متقدمة ترتكز على أسس يفتقدها الكثير ممن يطلون علينا في شهر رمضان (يهايطون) ويمسخرون أنفسهم بما يدعون أحيانا للشفقة عليهم. والكوميديا ليست بالنية أي لا يكفي من المنتج والفنانين أن يعقدوا النية لإنتاج مسلسل كوميدي فيكون لهم ما أرادوا، فهناك عناصر أساسية لابد من توافرها، بالطبع ليس من بينها الارتجال والاستخفاف بالمشاهد وتحويل الممثل إلى مجرد (أراجوز) يحاول بكل ما أوتي من سماجة أن يضحك متشحا ملابس غريبة يعتقد أنه من خلالها يصنع (كركترا) لم يأت به الأوائل، لذلك تعلن بعض المسلسلات إفلاسها منذ أول حلقة تصدم بها المشاهد بهشاشة البناء و الفكرة والأداء ومحاولة تعويض ذلك الضعف بان يضطر الممثل ليملأ مساحات الفراغ بالاستظراف والتنكيت وتغيير ملامح الوجه، أو تقديم استعراضات لا تختلف عن أجواء الكباريهات، وتقديم شخصيات ليست موجودة في واقعنا اليومي. وفي هذا الشهر قليلة هي الأعمال الفنية الجادة والنظيفة والتي قدمتها القنوات الفضائية العربية وتستحق المشاهدة الأسرية فمن بين أكثر من عشرات المسلسلات لا تجد إلا بضعة مسلسلات تستحق المشاهدة بينما الإعمال الباقية هي أعمال غارقة في وحل الإسفاف والتهريج والجرأة على روحانية الشهر الفضيل، ويستغرب المرء كيف تمت إجازتها وتثار أسئلة عن مسوغات قبولها للعرض. ولعل من المناسب أن تتوجه القناة الأولى لتقديم المسلسل الديني الرمضاني أولا: من أجل تنويع الإنتاج وجعل المؤلفين والممثلين أمام تحد حقيقي مع أنفسهم فقد سئمنا (الاسكتشات) المدرسية. وثانيا، لأن للمملكة وزنها الديني وهذا جزء من رسالتها، ويمكن الاستفادة من خبرات الإنتاج المصري في هذا المجال فهم حتى الآن أفضل من قدم الأفلام والمسلسلات الدينية التي تتناول الشخصيات الإسلامية من ناحية الإنتاج والسيناريو والحوار والأداء. أن الفنان الجاد و (الشامل) هو الذي يستطيع أن يقوم بادوار جادة أو دينية ولهذا فان مثل هذا الخط الدرامي سيكشف قدرات ومواهب بعض الممثلين الذين ظهروا في غفلة من الزمن، واخذوا الفن تهريجا وسفها بل ويصرون على تقديم مشاهد ومسلسلات لا تتناسب مع روحانية هذا الشهر وتسيء إلى الذوق العام. إن الأعمال الدينية مفقودة في الدراما المحلية ولا أدري لماذا يتم إغفالها من قبل المنتجين ومن هيئة الإذاعة والتلفزيون، مع أنها الأعمق في التأثير ولها قبول جماهيري كبير، أن أسمى ما يقدمه الفنان لمجتمعه هو العمل على تعزيز القيم الدينية والمبادئ الفاضلة وليس النيل منها، دون أن نغفل دور الفنان في تقديم الكوميديا الراقية التي تحترم عقل المشاهد وتقدم له وجبة من الترفيه النظيف، إن قيمة ما يقدمه الفنان يظهر له بالنتيجة المرضية التي يحصل عليها في مجتمعه، وبالغاية النبيلة التي يحاول أن يصل إليها.